القلق ضريبة الحياة المتسارعة

القلق ضريبة الحياة المتسارعة

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

اضطرابات القلق هي إحدى الاضطرابات النفسية الشائعة، وعادة ما يُصاحبها أعراض جسدية تجعل المريض يُراجع طبيب الرعاية الأولية (طبيب العائلة). لقد شعرنا جميعاً بأعراض القلق، لأن القلق والخوف أمران طبيعيان في مواقف عديدة حتى يتسنى لنا التعامل معها، وربما نُعاني من رُهاب مُعين، أو لدينا وسواس من بعض الأشياء، لكن لكي يكون القلق حالة مرضية سريرياً يجب أن يكون شديداً.

تُسبب اضطرابات القلق ضيقا شديدا أو تأثيرا سلبيا قويا في الحياة اليومية. وبما أن القلق المرضي هو الشرط لتشخيص اضطرابات القلق، إذن من المُهم التفريق بين القلق المرضي والقلق الطبيعي. تُصنف اضطرابات القلق إلى: 1- نوبات الهلع بدون رُهاب الميادين. 2- نوبات الهلع مع رُهاب الميادين. 3- رُهاب الميادين من دون تاريخ اضطراب الهلع. 4- اضطراب القلق العام. 5- الرُهاب الاجتماعي. 6- الرُهاب النوعي. 7- الاضطراب الوسواسي القهري.

8- اضطراب الكرب الحاد.

9- اضطراب الكرب بعد الوضع.

10- اضطراب القلق نتيجة للحالات الطبية العامة.

11- اضطراب القلق الناتج عن المُخدرات.

12- اضطراب التأقلم مع المحيط المُصاحب بملامح القلق.

ويُمكن تقسيم اضطرابات القلق تحت التقسيم العام التالي:

1- اضطراب القلق العام.

2- اضطرابات الهلع.

3- اضطرابات الرُهاب.

• ما هي آلية اضطرابات القلق؟

يبدو أن اضطرابات القلق ناجمة عن تفاعل عوامل حيوية- نفسية- اجتماعية مع القابلية الوراثية للشخص، والتي تتفاعل مع حالات الإجهاد أو الصدمات لإنتاج الأعراض السريرية للقلق. في الجهاز العصبي المركزي، أهم الوسائط لأعراض اضطرابات القلق هي الناقلات العصبية نورابينيفرين وسيروتونين، حيث انخفاض مستوياتهما مُرتبط بحدوث أعراض القلق. في مُحيط الجسم، الجهاز العصبي المُستقل، خاصة الجهاز العصبي الودي، مسؤول عن حدوث العديد من أعراض اضطرابات القلق.

• ما هو تأثير اضطرابات القلق على الفرد ؟

اضطرابات القلق يُمكن أن تُسهم في زيادة مُعدلات الاعتلال والوفيات خلال آليات عصبية صمية وعصبية منّاعية أو مُباشرة بواسطة آليات تحفيز عصبية، مثل ارتفاع ضغط الدم أو اضطراب دقات القلب. اضطرابات القلق الشديد قد تؤدي إلى الانتحار، مع أو من دون اضطرابات مزاج ثانوية (مثل الاكتئاب).

إضرابات القلق تزيد من مُعدلات الاعتلال (المَراضة) المُشترك مع الاكتئاب الرئيسي Major Depression و تعاطي الكحول والمُخدرات. بعض من زيادة مُعدلات الاعتلال والوفيات المُرتبطة باضطرابات القلق قد تكون ذات صلة بارتفاع مُعدل الاعتلال المُشترك السابق. أظهرت دراسة أن اضطرابات الهلع كانت مُرتبطة بمحاولات الانتحار.

الإجهاد أو الكرب الحاد قد يلعب دوراً في حدوث السلوك الانتحاري. تأثير الإجهاد الحاد على الفرد يعمل على التسبب بحدوث السلوك الانتحاري يزداد عند وجود تقلبات مزاجية أو قلق أو مشاكل تعاطي المُخدرات. القلق المُزمن يُمكن أن يقترن بزيادة خطر الاعتلال والوفيات مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.

• ما هي العوامل التي تزيد من فرص حدوث القلق؟

هُناك عوامل تجعل بعض الأشخاص أكثر قابلية وعُرضة للإصابة بأعراض واضطرابات القلق من غيرهم ومنها:

1- الجنس والعمر :

النساء أكثر عُرضة للإصابة باضطرابات القلق من الرجال، حيث إن ضعف العدد من النساء يُراجعون الطبيب العام بالقلق وهذا ينطبق على جميع المراحل العمرية، ولكن يُمكن أن يكون هذا التفاوت سببه هو أن الرجال عادة لا يعرضون أنفسهم على الطبيب عند إصابتهم بالقلق. وفي الولايات المُتحدة الأميركية نسبة الإصابة بالقلق في النساء إلى الرجال هي 2:3.

مُعظم اضطرابات القلق تحدث في الطفولة، مرحلة المُراهقة و مرحلة البلوغ المُبكرة. اضطرابات الهلع تزيد في العمر ما بين 15-24 سنة و 45-54 سنة. اضطراب الوسواس القهري يبدأ بالظهور في منتصف العشرينات وأوائل الثلاثينات. يجب البحث عن حالة مرضية طبية عامة غير مُشخصة أو تعاطي المُخدرات أو الاكتئاب الرئيسي مع أعراض قلق كمُسببات للحالة عند حدوث القلق في البالغين الأكبر سناًً لأول مرة.

2- الشخصية:

الكثير من الناس لديهم شخصية قلقة (حساسة) ويتأثرون بالأحداث سريعاً مما يجعلهم عُرضة لاضطرابات القلق أكثر من غيرهم. والعديد منهم يتعايش أو يُطور نمطا حياتيا مُعينا أو آليات استرخاء حتى يستطيع أن يتعايش مع شخصيته القلقة.

3- الإجهاد أو الكرب:

الضغوط والتوترات الحياتية، حتى عند البعض، فقط التفكير بحدوث أمر ما في المستقبل القريب يُسبب القلق أكثر من الحادثة نفسها. بعض الناس يبذل جهداً كبيراً للتقليل من القلق أثناء الحادثة وقتها و لكن لكي يُعانوا بعدها. ومن أكثر الأمور التي تُسبب القلق هي الامتحانات، العزاء (موت شخص عزيز)، انتقال السكن ومشاكل العلاقات.

4- الكآبة:

مُعظم المُصابين بالكآبة لديهم درجة من درجات القلق الناتج عن الشعور بعدم الكفاءة الاجتماعية والخوف من الرفض (النبذ) الذي عادة يُصاحب الكآبة. أحياناً تستمر أعراض القلق بعد انتهاء الكآبة.

5- المرض الجسدي:

مُعظم الأمراض الجسدية أو الخوف من الأمراض يُصاحبها القلق. إصابة شخص ذي شخصية قلقة بمرض جسدي يُمكن أن تزيد من شدة القلق لديه وتسبب صعوبة لمُقدمي الرعاية الصحية في التعامل معه.

• ما هي أعراض القلق؟

سوف نذكر أعراض القلق في سياق شرح مُبسط لاضطرابات القلق حسب التقسيم العام لأنواعها.

اضطراب القلق العام

يتميز بالقلق و التوتر الشديدين و الصعب السيطرة عليهما. و هي حالة طويلة الأمد، تتذبذب في الشدة و الطبيعة. عادة يبدأ في سن المُراهقة و نسبة انتشاره بين الناس هي 5% تقريباً. الجدول التالي يُبين أعراض القلق العام النفسية والجسدية:

اضطرابات الهلع

اضطراب الهلع يتكون من نوبات هلع مُتكررة، لا تكون ناتجة عن تعاطي المُخدرات أو حالات مرضية أو اضطراب نفسي آخر. تكرار حدوث النوبات يختلف من نوبات عديدة في يوم واحد إلى نوبات قليلة في سنة. و يكون لدى المريض قلق و خوف مُستمران من حدوث نوبة هلع أخرى أو من عواقب النوبة، مما يؤدي إلى تجنب رُهابي للأماكن أو المواقف التي تُسببها.

نوبات الهلع هي عبارة عن فترة من الخوف الشديد مع حدوث أعراض الهلع بشكل سريع وتصل ذروتها خلال 10 دقائق و لا تستمر النوبة أكثر من 20-30 دقيقة و نادراً ما تستمر النوبة أكثر من ساعة. نوبة الهلع يُمكن أن تحدث تلقائياً أو في مواقف مُعينة (وضعياً) عادة في أماكن حدثت فيه سابقاً. أحياناً تحدث نوبة الهلع أثناء النوم.

نسبة انتشار اضطراب الهلع بين الناس هي 4.2 % ولنوبات الهلع هي %8.

نوبة الهلع يُمكن أن تحدث بأي توليفة من الأعراض التالية:

1- ضيق النفس.

2- الاختناق.

3- خفقان وتسارع ضربات القلب.

4- انزعاج أو ألم في الصدر.

5- التعرق.

6- دوخة أو عدم الثبات أو إغماء.

7- غثيان أو ألم في البطن.

8- تبدد الشخصية أو الغربة عن الواقع.

9- الإحساس بالخدران أو الوخز.

10- بيغ (احمرار الوجه والعنق العابر) أو نفضة.

11- الارتجاف أو الاهتزاز.

12- الخوف من الموت.

13- الخوف من الجنون أو عمل شيء جنوني أو فُقدان السيطرة.

اضطرابات الرُهاب

الرُهاب عبارة عن حدوث مُتكرر لأعراض القلق النفسية أو الجسدية بشكل مُفرط و غير واقعي كردة فعل لوجود شيء مُعين أو موقف يخاف منه المريض و يُحاول تفاديه كلما أمكن ذلك.

يتميز الرُهاب بملمحين رئيسيين:

1- اجتناب الشيء أو الموقف المُسبب للقلق.

2- القلق المُتوقع، حدوث القلق عند فقط توقع مُواجهة الأشياء أو المواقف التي يخافها المريض.

الرُهاب النوعي أو البسيط، ينتج عن أشياء مُعينة مثل الحيوانات، بيئية مثل الأماكن العالية المفتوحة، الدم-الحقن-الإصابات، موضعية مثل الأماكن المُغلقة و غيرها. نسبة انتشار الرُهاب البسيط بين الناس هو 11. 3 %، و يبدأ عادة في مرحلة الطفولة أو المُراهقة (مُتوسط العمر = 15 سنة).

الرُهاب الاجتماعي، تستحوذ فيه أعراض القلق النفسية أو الجسدية على المريض وتُسبب له العجز، و لا تكون ناتجة عن أفكار وهمية أو أفكار وسواسية، وتكون مُقيدة بمواقف اجتماعية مُعينة (مثل مُقابلة المسؤولين، التحدث بالهاتف، التحدث أمام الجمهور) وتؤدي إلى مُحاولة الهروب منها أو اجتنابها (مما يُمكن أن يؤكد فكرة عدم الكفاءة الاجتماعية لدى المريض).

الرُهاب الاجتماعي يشيع مُبكراً في الحياة، وعادة ما يكون الرُهاب الاجتماعي في البالغين منشأه مرحلة الطفولة و يظهر في الثلاثينات من العمر. ينتشر الرُهاب الاجتماعي بين الناس بنسبة 4 % في الذكور و 13 % في الإناث.

رُهاب الميادين تكون فيه أعراض القلق النفسية أو الجسدية غير ناتجة عن أفكار وهمية أو أفكار وسواسية، و تكون مُقيدة بمواقف أو بأماكن يصعُب الهروب منها أو يكون مُحرجاً مما يؤدي إلى تجنبها، مثل الأماكن المُزدحمة، الأماكن العامة، السفر بعيداً عن المنزل أو السفر وحيداً.

عادة ما يبدأ في العمر من 20 - 40 سنة ويكون مُرتبطا بنوبة هلع أولية. يُمكن أن يُصاب المريض بنوبة هلع في المواقف أو الأماكن التي يخشاها. يخشى المريض الإغماء أو فقد السيطرة في الأماكن المُزدحمة أو بعيداً عن المنزل أو في المواقف التي يكون الهرب منها صعباً، لهذا يُفضل البقاء في المنزل حيث انه يعلم بأنه لن يُصاب بأعراض القلق.

عموماً تشترك اضطرابات القلق بالأعراض الجسدية التالية:

- الرُعاش

- تسرع ضربات القلب

- تسرع النفس.

- فرط تعرق راحة اليدين.

- التململ.

• ما هي التحاليل والاستقصاءات لتشخيص اضطرابات القلق؟

طبعاً لتشخيص القلق بحد ذاته لا توجد تحاليل، و لكن التحاليل والاستقصاءات هي لتشخيص الحالات الطبية التي تُسبب مثل أعراض القلق. كذلك من المهم أن نتحرى عن الأدوية التي تُسبب أعراض القلق و منها ما يُباع بدون وصفة تحتوي على الكافيين أو تُحاكي الجهاز العصبي الودي عن تعاطي المُخدرات و الكحول (أعراض انسحابية)، كذلك مُستحضرات الأعشاب.

الحالات الطبية التي يُمكن أن تُسبب مثل أعراض القلق:

1- القلب: اضطراب النظم (لخبطة ضربات القلب)، نقص التروية القلبية، أمراض الصمام الميترالي، قصور القلب. نعمل تخطيطا للقلب، تخطيط القلب أثناء الجهد ومُخطط سونار القلب.

2- الجهاز التنفسي: الربو، الداء الرئوي المُسد المُزمن، الصمة الرئوية، نقص الأكسجين في الدم. نعمل أشعة للصدر و فحص وظائف الرئة و قياس مستوى الغازات في الدم و أخرى للتشخيص.

3- الجهاز العصبي: صرع الفص الصدغي، مرض العصب الدهليزي. هُنا نعمل تخطيطا للمخ وأشعة مقطعية للرأس أو التصوير بالرنين المغناطيسي، خاصة في كبار السن لاستثناء أورام المُخ.

4- الغدد الصماء: فرط الغدة الدرقية، قصور الدُريقات، هبوط السكر، ورم الخلايا قاتمة اللون. نعمل تحاليل دم لمستويات الهرمونات في الدم ومستوى السكر.

5- حالات مُتفرقة: فقر الدم، البرفيرية، البلاغرا، ورم سرطاني، داء الذئبة الحمراء.

• ما هو علاج اضطرابات القلق ؟

سوف نذكر فقط الخطوط العريضة لعلاج القلق، طبعاً في الحالات الحادة مثل نوبة هلع، قد يحتاج المريض لدخول المستشفى لتلقي العلاج. التوقف أو التقليل لحد معقول من تناول المشروبات الحاوية للكافيين مثل القهوة، الشاي، الكولا وماوتن ديو، كذلك التأكد من عدم احتواء الأدوية العُشبية للإفيدرين.

1- العلاج النفسي:

- المُعالجة النفسية.

- المُعالجة بالتحليل النفسي.

- المُعالجة السلوكية.

- المُعالجة المعرفية.

2- العلاج الدوائي دواء الاكتئاب من نوع مُثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية

ودواء الاكتئاب ثُلاثية الحلقات، الأدوية المُهدئة والمُزيلة للقلق مثل البنزودايازيبين، وأحياناً نحتاج لإضافة دواء الذُهان.

3- العلاج الجسدي: العلاج بالتخليج الكهربي يُستخدم للحالات الانتحارية أو شديدة العجز، والجراحة النفسية في الحالات الشديدة والمُقاومة للعلاج أو السيطرة أو الشفاء باستخدام الأدوية والعلاج النفسي والتخليج الكهربي، مثل بضع التلفيف الحزامي بالتوضيع التجسيمي.

د. خليل اليوسفي

استشاري طب العائلة

Email