«الاستدانة» فيروس مصدره الحياة المعاصرة

«الاستدانة» فيروس مصدره الحياة المعاصرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أصبحت متطلبات الحياة المعاصرة تشكل عبئاً ثقيلاً يثقل كاهل رب الأسرة المسؤول لتوفير كافة احتياجات بيته وأسرته، وبسبب التطورات السريعة التي تشهدها كل دول العالم ظهرت عادات ومواد استهلاكية قد تكون من كماليات الحياة، ولكن كثرة المقبلين عليها وولعهم بها كان له دور في تحويلها إلى أساسيات حياتية لابد من توفيرها.

وهنا يأتي السؤال، من أين سيوفر رب البيت الموارد المادية التي تلبي كل هذه المستهلكات ؟ والجواب البديهي هذه الأيام هو الاقتراض من البنوك أو الاستدانة من صديق مقتدر، وهذه الحلول التي يتورط بها الكثير من الأشخاص أدت إلى ظهور حالات مرضية بسبب كثرة التفكير والقلق اليومي والخوف من اليوم المقبل.

ولمعرفة آراء الناس حول هذا الموضوع والرأي الطبي التشخيصي للحالات المرضية التي كانت المشكلات المادية والاقتراض والديون السبب المباشر فيها كان لـ(الصحة أولاً) هذا التحقيق:

شر لا بد منه

»الدين والاقتراض شر لابد منه« هكذا بدأ صالح شعبان كلامه عند سؤاله عن الدين والآثار الصحية الناجمة عن التفكير به وتابع: »إن للمشاكل المادية أثر كبير على تفكير الإنسان خلال أوقات حياته المختلفة فهي تلازمه صباحاً ومساء حتى خلال نومه وتظهر له كوابيس في أحلامه.

« وتابع: »أنا شخصياً كنت مديوناً وما سبق أن قلته كان يصيبني، ولكن سيطرت على الوضع بعد أن كاد يقضي علي، فبترتيب مستلزمات الحياة حسب الأهمية والقدرة المادية تسير الحياة على أحسن وجه وليكن الاقتراض هو آخر الحلول«.

مغريات

إبراهيم محمد لم يكن يريد التحدث عن موضوع القروض والدين حيث وصفه بأنه سبب رئيسي للهم والغم ولكنه عدل عن رأيه وقال:(أنا موظف وراتبي بالكاد يقضي الحاجات الأساسية في الحياة ولكن الحياة المعاصرة لم تعد تقف عند هذا الحد.

فهناك مغريات وكماليات سيطرت على نمط الحياة والتي بدورها دفعت الكثير من ذوي الدخول المحدودة ليندفعوا صوب البنوك التي زينت وسهلت الطريق أمامهم للحصول على الأموال التي سيجارون بها هذا العالم المتطور وهم غافلون عن المشاكل المادية التي سيواجهونها عند السداد وما تحمله من أمراض نفسية وبدنية قد تكون سبباً في القضاء عليهم، إذا كانوا ممن ليس لهم تجارب مع الديون.

الدين مرض

أما سعاد محمد فعن القروض وهمومها وتأثيراتها الصحية على الإنسان قالت: »كل إنسان يضع نفسه في متاهة الديون والقروض لن يذوق طعم النوم أحد أقاربي كان ضحية الديون الزائدة التي لم يكن قادراً على تحمل تبعاتها ،فقد تحول من شخص متفائل ومحب للحياة إلى آخر تتوقع عند رؤيته أن كل مشكلات العالم يحملها على أكتافه، فقد أقبل على الاستدانة من أحد الأشخاص الميسورين للدخول بمشروع أوهمه أصدقاؤه أنه سيدر عليه ربحاً سريعاً.

وكانت قيمة الدين عالية جداً ودخله من وظيفته لا يكفي للسداد فأصبح هذا الدين همه الشاغل حتى أن نسبة السكر العالية والضغط قد أصبحا من الأمراض الملازمة له«.

قلق

أمين محمد حدثنا عن معاناته الشخصية مع الديون وقال: »لقد أصبح الخلاص من الديون همي الشاغل، فلم أعد أحس بطعم الحياة حتى الأكل أصبح كأداة لأبقى على قيد الحياة وأصبح شرب القهوة والتدخين عادتين ملازمتين لي في كل الأوقات وكانا سبباً بإصابتي بالقرحة والقلق طوال الليل مما أثر بشكل كبير على عملي وعلاقاتي مع من حولي من الأقارب والأصدقاء«.

ضياع

عماد شلبي كان وجهه الباسم يخفي وراءه معاناة كبيرة مع الديون ووجد في الحديث عنها طريقاً للتخفيف عن نفسه وشرع بالحديث قائلا: لست أدري كيف أبدأ الحديث عن موضوع الديون الذي بات يشكل هاجساً مرعباً بالنسبة لي. فقد كنت شخصاً مفعماً بالحيوية والنشاط وأنشد السعادة أينما أكون وكانت زيارة صديق لي يعمل في أحد البنوك بداية لمشوار الضياع بين المطالبات البنكية والفردية ممن كنت أستدين منهم لسداد غيرهم.

فقد أتاح لي هذا الصديق بحسب موقعه في البنك فرصة لأخذ مبلغ كبير من المال لـتحقيق كل ما أحلم به، ولكنه لم يبين لي تبعات هذا المبلغ ولم أكن أنا نفسي قد فكرت بكيفية السداد وها أنا أهرب من شخص وأجد الآخر ينتظرني عند بيتي. كوابيس تطاردني أينما كنت لا نوم ولا طعام كباقي الناس فمن يبحث عن كل هذه المنغصات فليسلك طريق الدين المظلم.

تحليل نفسي

عن وجهة النظر الطبية في موضوع الديون وتأثيراتها السلبية على صحة الإنسان يحدثنا د.عامر سعد الدين اختصاصي الطب النفسي ويقول: يسعى كل إنسان لتحسين وضعه.

ولكن بعض الأشخاص يقبلون على أمور ومشاريع بنفسية مندفعة دون دراسة مسبقة لإمكانياتهم وقدراتهم المادية والشخصية ، وذلك قد يكون عائداً لعامل الغيرة التي تدفع الكثير للتهور ووضع أنفسهم في أزمات تؤثر على نفسياتهم وبالتالي على صحتهم الجسدية، فعند تعرض الشخص لضغوط مالية بسبب الديون فستحتل هذه المشكلات الجزء الأكبر من تفكيره وإذا كان قد اقترض ليتاجر أو يقوم بعمل مشروع فإن مسألة الربح والخسارة ستضعه تحت ضغط وقلق كبيرين قد توصله للاكتئاب في أشد حالاتها.

وإذا كان الشخص المكتئب من الأشخاص ضعيفي الأيمان قد يلجأ في لحظة من لحظات الاكتئاب القوية إلى الانتحار.

ويتابع د:سعد الدين قائلا:"مسألة الاستدانة يجب أن تدرس بشكل جيد قبل الإقبال عليها ويجب أن يعرف أين سيذهب المبلغ المقترض وكيف سيتم سداده ،فتقييم الوضع المالي ومعرفة مدخلات الشخص هي التي تحدد الإقبال على الاقتراض أو لا وأيضاً الضرورة لهذه الأموال ومدى حاجتها وإذا كان هنالك إمكانية للاستغناء عن الدين فليكن هو الإجراء الأفضل.

وأشار د:سعد الدين إلى أن ارتفاع نسبة السكر في الدم والصداع المزمن والأمراض الجلدية مثل الحكة وتساقط الشعر هي من أكثر الأمراض التي تصيب الإنسان في حال تعرضه للضغوط النفسية والاكتئاب.

كرم أحمد

Email