الجراحة وقاية من الجلطة الدماغية

الجراحة وقاية من الجلطة الدماغية

ت + ت - الحجم الطبيعي

ينطلق تيار الدم المتدفق من مضخة القلب إلى خلايا المخ النشطة والمتعطشة دائماً إلى هذا السائل الأحمر الذي يكمن فيه سر الحياة.

الطريق من القلب إلى المخ ليس بالطويل ولا هو بالضيق، ولكنه قصير واسع يمر خلال شريانين رئيسيين يمتدان خلال الرقبة يعرف كل منهما بالشريان السباتي ليغذي كل منهما نصف المخ الذي يقع في نفس جهة الشريان، ولكنه يتحكم في النصف المقابل من حركة وإحساس جسم الإنسان ومع تصلب الشريان السباتي بتقدم العمر وتوافر عوامل الخطر التي تسرع من ظهور مضاعفات تصلب الشرايين مثل التدخين .

وزيادة كمية الدهون بالدم ومرض السكر وارتفاع ضغط الدم الشرياني يضيق هذا الشريان داخل الرقبة وتتعرج جدرانه وتترسب عليه حبيبات الكولسترول الصلبة وتجلطات الدم الصغيرة فيزداد تضييق الشرايين السباتية وشرايين المخ كذلك وتتصلب جدرانه فتفقد القدرة على التوسع عند افتقار المخ إلى هذه التروية المستمرة سواء كان هذا الافتقار بصورة حادة أو مزمنة.

وفجأة وكم دون مقدمات لا تتحمل خلايا المخ الحساسة النقص الشديد في التروية نتيجة لتضيق الشريان وضعف تيار الدم المتدفق خلالها أو تحول جلطة صغيرة من جدران الشريان المريض لتسير مع تيار الدم وتنسد بها أحد شرايين المخ. وهنا توقف وظائف الخلايا وتنشل حركة المريض ويتوقف الإحساس وقد يفقد الوعي ويقع في غيبوبة عميقة في ثوان محدودة، أو سنوات طويلة تعتمد على عدة عوامل أولها لطف الله تبارك وكرمه على مرضاه ثم حجم الشريان أو الشعيرات الدموية المتجلطة وبالتالي مكان وحجم خلايا المخ المتأثرة بهذه الجلطة.

ومع لطف الخالق الحكيم الخبير ومكوث الجلطة الدماغية لمدة ثوان أو دقائق وحدوث شفاء كامل من هذه الجلطة الوقتية في مدة أقل من 24 ساعة تعرف بالافتقار العابر، أو حتى في حالة حدوث جلطة دماغية كاملة قد يتماثل المريض بعدها للشفاء الملحوظ لكن يظل الخطر من حدوث جلطة تالية كامناً.

حول الجلطة وسبل علاجها والوقاية ومنعها يقول الدكتور حسين بن محمد ربيع أستاذ مساعد واستشاري جراحة الأوعية الدموية في كلية الطب بجامعة الملك سعود:

لقد عكف الباحثون والأطباء على دراسة احتمالية تكرار الجلطة والوقاية من حدوث ذلك لما يمثل من خطر وفاة المريض أو قعوده عن الحركة أو الاتصال بالآخرين مدى الحياة فوجدوا أن هذه الاحتمالية تتراوح مابين (21 ـ 30%) على مدار السنوات الثلاث التالية لهذا الأنظار الأول.

وعلى مدى الأربعين سنة الماضية ظهرت أهمية الكشف على نسبة تضيق الشريان السباتي ومقدار مشاركتها في خطر حدوث الجلطة الدماغية، واليوم بعد فيض من البحث والاستقصاء أصبح هناك الاقتناع المبني على الأدلة والبراهين العلمية أن تضيق الشريان السباتي بنسبة 70% أو أكثر من ذلك تمثل خطراً ملحوظاً واحتمالية عالية للإصابة بالجلطة الدماغية.

وللوصول لحل لهذه المشكلة التي تهدد المرضى بالقعود عن الحركة وشلل الأطراف عكف أطباء الأعصاب وجراحي الأوعية الدموية على عقد المقارنات العلمية بين العلاج الدوائي بالأسبرين الذي يقلل من الالتصاق الصفائح الدموية عند الشرايين الضيقة وبين الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج الجراحي عن طريق استئصال الجدران الداخلية الضيقة المبطنة للشرايين السباتية المريضة وعمل الرقعة الجراحية اللازمة لتوسيع الشريان واسترجاع تدفق الدم الطبيعي للمخ.

ووجد أن الحل الجراحي يقلل من خطر الإصابة بجلطة المخ من 25 إلى 30% فقط على مدار 3 سنوات، وبعد نشر هذه الدراسات التي أجريت في عدة مراكز في أوروبا وشمال أميركا في أوائل التسعينات أصبحت هذه الجراحة أكثر جراحات الأوعية الدموية شيوعاً في الولايات المتحدة لما لها من أثر واضح على صحة المرضى وحركتهم وحيويتهم المطلوبة.

الكشف المبكر

ومن خبرننا نقترح القيام بخطوات الاكتشاف المبكر لأمراض الشريان السباتي في الوقت المناسب بواسطة الفحص السنوي بالموجات الصوتية في مختبرات الأوعية الدموية لكل المرضى الذين سبق أصابتهم بجلطة دماغية وقتية أو دائمة وتم الشفاء منها بدرجة ملحوظة أو فقد الأبصار المؤقت دون سبب موضعي بالعين لذا يجب على كل مريض أصابه بصورة مؤقتة ولو لمدة ثوان معدودة عدم القدرة على الحركة أو انعدام الإحساس في أحد الأطراف أن يبادر بالاتصال بطبيبه المباشر لعرضه على أحد جراحي الأوعية الدموية لفحصه والتأكد من سلامة شرايين الرقبة.

ولقد توافرت المعلومات البحثية على 442 مريضاً ترددوا على وحدة جراحة الأوعية بمستشفى الملك خالد لفحص الشريان السباتي (87% مرضى سعوديين) وجد أن متوسط أعمارهم كان أكثر من 60 عاماً و70% منهم على الأقل مصابين بأمراض ارتفاع الضغط وزيادة نسبة الدهون بالدم وقصور الشريان التاجي.

ومن توصياتنا المهمة التأكيد على الحرص في إجراء الفحوص اللازمة لهذه النوعية من المرضى ومتابعتهم حتى يتسنى إجراء العلاج المناسب لهم، ونحن نعلن عن نتائج المتابعة المستمرة للمرضى الذين تم علاجهم جراحياً بنجاح تام والتي تظهر عدم تكرار أصابتهم بظواهر أمراض الشريان السباتي بعد الجراحة الناجحة بل ونعلن أيضاً عن نجاح إجراء جراحة توسيع الشريان السباتي وجراحة توصيلات الشرايين التاجية سوياً بواسطة تعاون فريق طب مكون من جراحي القلب وجراحي الأوعية الدموية.

لم يكن طريق النجاح سهلاً وسريعاً ولكنها الأميال تقطع خطوة خطوة للوصول للهدف وفي ظل توفيق الخالق جلا وعلا تتحقق الأهداف وتصبح أحلام الأمس حقائق اليوم.

Email