متلازمة داون والتوحد.. التشخيص المزدوج

متلازمة داون والتوحد.. التشخيص المزدوج

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن أن يصاب عدد قليل من حالات متلازمة داون بالتوحد، ومع ان هذا العدد بسيط الا انه ثابت ويستحق الدراسة والمتابعة، عندما يولد طفل بمتلازمة داون يأخذ الأهل وقتاً ليس بالقصير في محاولة قبول تلك الإصابة وفي التكيف معها، للأخذ بيد طفلهم للوصول فيه إلى أفضل ما يمكن تبعاً لاستعداده وقدراته.

سيكون تشخيص آخر كالتوحد بالنسبة للأهل بمثابة طامة كبرى وصدمة ليست بالهينة، عليه يحتاج مثل هؤلاء الأهل إلى دعم مضاعف من قبل أهل الاختصاص حتى يستطيعوا المتابعة وبنفس الرغبة في مساعدة ودعم طفلهم فهو بالنهاية مسؤوليتهم وإن تعددت المسميات.يلزم أن يتعرف الأهل على أن التوحد ليس مرضاً بل هو مجموعة من الأعراض لا بد من توافرها حتى نصل إلى مسمى التوحد، فقد يفهم الأهل خطأً أن وجود ملمح أو صفة واحدة في طفلهم المصاب بمتلازمة داون يعني إصابة ذلك الطفل أيضاً بالتوحد، على العكس تماماً لا بد من إخضاع هذا الطفل إلى مراقبة .

وتشخيص دقيقين حتى يصل المختصون إلى النتيجة الصحيحة، فليس من السهل تعريض الأهل إلى تجربة من هذا النوع وهم قد عانوا منذ ولادة هذا الطفل بسبب إصابته بالمتلازمة، لذا لابد أن يتوخى كل من يعمل مع إعاقات أخرى الحذر قبل إصدار الأحكام، فعملية التشخيص ليست عشوائية.

أن وجود التوحد أو عدم وجوده لا ينفي حقيقة أن الأهل سوف يتعاملون ولا بد أن يتعاملوا مع مجموعة من السلوكيات والأعراض وبطريقة جدية، وكلما اكتشف الأهل هذه السلوكيات وتعاملوا معها من البداية بتوجيه مهني مناسب كلما قلت فرص أن تظهر السلوكيات شبه التوحدية عند أطفال متلازمة داون.

أن التوحد أساسا هو مشاكل وظيفية في القنوات الحسية وبذا تظهر بعض هذه الاحساسات بشكل عالي جدا أو بشكل منخفض جداً، ولذلك تظهر استجابات غير طبيعية للمثيرات المختلفة، ان هناك خمس قنوات حسية أساسية تتأثر بالزيادة أو النقصان، تشتمل تلك القنوات على:

الصوت: فيكون لدى هؤلاء الأطفال حساسية مفرطة للصوت وقد يسبب الصوت ألما فعلياً وعدم راحة، حيث يلاحظ الآهل محاولة طفلهم المتكررة إغلاق أذنيه في مواقف معينة خاصة في البيئات التي تحوي درجة ضجيج عالية، كما قد يلجأ الطفل إلى منع نفسه تماما من سماع تلك الأصوات مما يؤثر على تطوره اللغوي والنطقي، فيبدو الطفل وكأنه أصم.

اللمس: قد يكون لديه حساسية زائدة للمس مما يؤدي إلى ردود فعل انسحابية للاحتضان واللمس الخفيف كالدغدغة وإظهار الضيق عند تمشيط الشعر أو التعرض للماء بدرجات حرارة مختلفة، وكذلك حساسية للطعوم المختلفة مما قد يؤدي إلى الرغبة في الارتجاع، وكما ان هناك حساسية زائدة هناك قلة إحساس بالمثيرات، وكأن الدماغ لا يتعرف عليها أساساً، فقد يلاحظ كدمات نتيجة سقطات بدون إظهار أي إحساس بالألم وكذلك عدم إحساس بالحرارة سواء البرودة الزائدة أو الحرارة الزائدة.

الشم: إن وجود الحساسية الزائدة للروائح المختلفة قد يؤدي إلى سلوكيات غريبة من مثل شم اليدين باستمرار أو الأشياء، مما يؤدي إلى الرغبة في الارتجاع.

التذوق: قد تؤدي الحساسية الزائدة إلى الرغبة في الارتجاع، أو تؤدي قلة الحساسية إلى العزوف عن الطعام وعدم القدرة على التمييز بين ما يمكن أكله وما لا يمكن أكله، مما قد يؤدي إلى مشاكل خطيرة في الأكل.

النظر: هناك نوعين من النظر، النظرة المركزية والنظرة الجانبية والتي تكشف عن الحواف والحركة، أما النظرة المركزية هي ما نستخدمه لكي نتعلم ونرى فيها التفاصيل، فعندما يكون لدى الطفل نظرة جانبية سيكون اهتمامه بالأشياء الغربية التي لها حواف وحركة كالمروحة، وفتح وإغلاق الأبواب، وحواف الحائط، وحركة أصابع اليدين، مما يؤثر في التواصل البصري وعدم الرغبة في رؤية الصور والكتب، لذا فإن هؤلاء الأطفال لا يستجيبوا للمثيرات من حولهم كما يجب وكما نستجيب نحن.

أن السبب الأكثر ترجيحاً في البدء بالتفكير بالتوحد بالنسبة لمعظم المصابين متلازمة داون هو الاستثارة الذاتية، ان سلوكيات الاستثارة الذاتية هي سلوكيات يقوم بها الطفل وتأخذ شكل النمطية لما فيها من تكرار وكلها تؤدي الى محاولة إعطاء معلومات لقنوات حسية أساساً لديها مشكلة، وهذا أمر سلبي بسبب تأثيره على النمو السليم، ومن هذا السلوكيات نعرض بعض الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر والتي منها:

فتح وإغلاق الأبواب، فتح صفحات الكتاب، اللعب بالأصابع أمام الوجه، هز الألعاب وقلبها رأساً على عقب، مشاهدة الجانبية للتلفاز، الدوران، إعادة كلام المتحدث، لمس الأصابع، مص اللسان، مص الأصابع، أعادة أصوات غير لغوية، هذه مجرد أمثلة تساعد الأهل في مراقبة هذه السلوكيات التي غالباً مما تكون غير مناسبة.

قد يكون أحدهما مناسب تطورياً في مرحلة معينة كمص الأصبع مثلاُ ولكنها قد تصبح غير مناسبة وتتحول إلى وسواس وغالباً ما يستطيع الأهل الحكم على مثل هذه السلوكيات، إن مثل هذه السلوكيات تؤثر بشكل رئيسي على التطور والنمو.

في حال لاحظ الأهل أيا من السلوكيات السابقة لابد من القيام بتوجيه الطفل إلى نشاط آخر أكثر مناسبة وفائدة، وتغيير هذه السلوكيات في بدايتها هو أفضل بكثير من محاولة التغيير بعد أن تصبح تلك السلوكيات مكررة وعلى شكل وسواس، مما يساعد في تخفيف تلك الملامح والسلوكيات التوحدية لدى الطفل ويعطيه فرصة أفضل للنمو والتطور.

مع محاولة التعامل مع المشاكل الحسية كلاً على حدة، فمثلاً بالنسبة للشم علينا تعريض الطفل لروائح مختلفة مثل زيت البرتقال، القهوة، وللتعامل مع المشكلات الحسية الخاصة بالتذوق علينا تعريض الطفل لطعوم مختلفة بكميات ضئيلة جداً لتحفيز الغدد التذوقية خاصة لمن لديهم حساسة زائدة، بالنسبة للبصر يمكن تدريب الطفل على النظرة المركزية من خلال الكلام معه وجهاً لوجه، فقاعات الصابون، تتبع ألعاب صغيرة أمام العينين.

بالنسبة للمس فيمكن القيام بمساج وضغط عميق بدءاً برؤوس الأصابع إلى الكتفين، فالضغط الزائد والمساج يريح الأطفال الذين يظهرون صفات شبه توحدية، لا بد من وقف الاستثارة الذاتية وقضاء وقت أطول مع الطفل لمراقبته ومنعه من ذلك، كما يجب الاكثار من الألعاب التفاعلية مما لا يتيح مجالاً أمام الطفل لممارسة مثل تلك السلوكيات، وقد يلزم أحياناً التخلص من بعض الألعاب إذا شعرنا أنها تزيد من ملك السلوكيات.

أخيرا لا بد لنا من التأكيد على أهمية التشخيص، الذي لا بد أن يقوم به مجموعة من المختصين للوقوف على التشخيص الدقيق للطفل بالتعاون مع الأهل، لأنهم هم الأقدر على التفرق بين السلوكيات التي قد تكون مجرد استثارة ذاتية لدى أطفال متلازمة داون أو قد تكون ملامح حقيقية للتوحد.

إرشادات

الإنسان بطبيعة حاله يسعى دائماً لاكتشاف أسباب ما يدور من حوله في الحياة. وبإمكانه تقبل أي ألم أو فشل في حياته. بعد أن يتم تشخيص الطفل بإصابته بالتوحد، على الوالدين محاولة توعية نفسيهما بما تعنيه حالة ابنهما من خلال تمييز خطورة الحالة، والاعتراف بوجودها.

ومن ثم تقبل التشخيص. يجب الحصول على جميع المعلومات المتعلقة بالحالة والالتحاق في الدورات التي تساعد في تأدية العناية المناسبة للطفل المصاب بالتوحد، كما ان مهمة الوالدين معرفة خطورة حالة الطفل، وأسبابها إن توفرت بالمستقبل، والعناية المطلوبة، وكذلك البرامج المستقبلية.

ان من أهم العوامل التي تسهم في تحسن الطفل مستقبلاً، تقبل الطفل بحالته بدون أسف أو إحراج وتقديم الحب والرعاية اللازمة بلا تحفظ. إن التوغل في التفكير بأن نمو الطفل سيكون طبيعيّاً لا يجدي نفعاً، كما أن عدم توقع استجابة طبيعية من الطفل يجب أن يكون أمراً مفروغاً منه، كما يتوجب إعداد أهداف أولية قصيرة المدى للوالدين والطفل معززين كل خطوة تقدم مهما كانت بسيطة. ويتوجب أيضاً اكتشاف نقاط القوة للطفل وللوالدين كذلك من ثم تقييمها، وفي الوقت ذاته يتم معرفة نقاط الضعف وتقييمها. أما في المجالات التي لا يتوقع فيها تقدماً كبيراً على الوالدين أن يتقبلا ذات النتيجة المتوقعة.

إليكم بعض القواعد الذهبية لتربية وتهذيب الطفل المصاب بالتوحد:

الاستمرار بصبر في تدريب الطفل وتعليمه أمر في غاية الأهمية.

تقدير أي انجاز للطفل ولو كان بسيطاً وامتداحه بدون مبالغة.

امتداح وتعزيز السلوكيات المناسبة.

تجاهل السلوكيات غير المناسبة مع عدم إهمال الطفل.

فهم أسباب السلوك التخريبي وتلقين الطفل السلوك البديل المناسب لحصوله على نفس احتياجاته النفسية.

تدوين نقاط التقدم من أجل الاستمرار في تطوير البرامج المناسبة.

الثقة بمن يحاولون تقديم المساعدة، وكذلك البحث عن آراء وخيارات أخرى للعلاج إن لم يتم تحقيق تقدم في حالته. مع العلم أن المختص عندما يدلي بقراره حول الحالة، سيترك للوالدين الحكم في ما الذي يجب فعله بعد ذلك؟.

الاشتراك في جمعيات أولياء الأمور المتعلقة بالتوحد لتلقي الدعم والمساعدة. وأخيراً يجب أن نتذكر بأن الوالدين هما المرجع الهام والوحيد لطفلهما. إذ لا مكان للاستسلام.

أورميمالا سينها أخصائية نفسية إكلينيكية

Email