حياتنا

الكذب المرضي اضطراب نفسي مؤذ

ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيرة هي الصفات والسلوكيات التي يمارسها ويتحلى بها الإنسان، فمنها ما هو جيد وحميد ومنها ما هو سيئ ومذموم، ولعل الكذب واحد من السلوكيات التي يمقتها الجميع ويصف ممارسها بأنه شخص سيئ، ولو تعمقنا قليلا بهذه السلوكية غير المقبولة والتي حرمها ديننا الحنيف لوجدنا أن من يمارسها شخص مريض ويعاني من جراء هذا المرض الذي قد يكون اكتسبه من العائلة أو المحيط الذي يعيش فيه، أو أن ممارسات خاطئة اتخذت بحقه كانت السبب وراء إدمانه لآفة الكذب.

عصام محمد واحد من الذين عانوا ومازالوا من مشكلة الكذب التي كانت سببا بخلق مشكلات نفسية وصحية واجتماعية كثيرة له. وعن قصته مع الكذب تحدث ل«الصحة أولا» قائلاً: عرفت معنى كلمة كذب وأنا في سن صغيرة، حيث كانت هي الوصف الذي يطلق علي عندما اختلق شيئا لم يحدث في الواقع، كانت والدتي ووالدي يسألاني دائما عن السبب لكن ليس فقط بالكلام بل بالضرب، فكيف كنت سأخبرهم وأنا في تلك السن أني كنت أحاول قلب الحقائق واختلاق الأمر تفاديا للعقاب الذي كان شديدا في معظم الأوقات، حتى باتت هذه الوسيلة هي الأولى والوحيدة التي ألجأ إليها للتخلص من موقف طارئ أتعرض له.

علاقات

عن علاقاته الاجتماعية وما تعرض له بسبب الكذب قال عصام كانت لي علاقات صداقة كثيرة وقوية، وكنت شخصا محبوبا من قبل كثير من أصدقائي الذين بت مرتبطا بهم أكثر من ارتباطي بعائلتي التي انطبعت عندها فكرة أني شخص أحب الكذب وأني بذلك أثير المشكلات والنزاعات فلم يكونوا يشاركونني بكثير من الأمور العائلية، بحيث بت أشعر أنني لست فردا منهم، لذلك لجأت لتكوين صداقات خاصة بي، حيث كنت أجد نفسي بينهم لأنهم يشاطرونني همومهم ومشكلاتهم،

ومعهم كنت أحس بوجودي، لأنه ليس لديهم فكرة عن هذه الصفة المستهجنة التي تلازمني، لكن كما يقال حبل الكذب قصير، وهذه الخصلة السيئة التي ترعرعت بداخلي، بدأت تثمر من جديد. فمن خلال مشكلات عدة ومواقف مرت على علاقاتي مع أصدقائي كنت قد حللتها بطريقتي المعروفة ألا وهي الكذب، تكشفت بعض الأمور وأجمع معظمهم على أنني كنت سبب الفتنة بينهم فما كان منهم إلا الابتعاد عني وتحاشي التعاطي معي.

مشكلات أسرية

وحول ما تعرض له خلال حياته الأسرية من مشكلات جراء الكذب قال عصام، لقد تزوجت بعد علاقة حب جميلة جمعتني وزوجتي دامت سنتين، لم أتعرض خلالها لأي موقف يدعوني للكذب. وبعد أن تم الزواج وبطبيعة كل زواج لا يخلو من مشكلات بسيطة تحل بالتفاهم والمحبة، ولكن تدخلت هذه الخصلة التي لازمتني وهي الكذب الذي لا أعاني من مرض غيره فاقم هذه المشكلات ودفع علاقتي بزوجتي والتي باتت حاملا إلى مرحلة خطيرة بعد أن تعددت المرات التي كذبت خلالها ظنا مني أني بذلك أحل الأمور وإذا بي أقودها للحضيض، وكعادة النساء فهن كثيرات الشك وإذا كان زوجها عرف بالكذب فإن أي إجابة عن أسئلتها سيكون مشكوكا بصحتها، فكانت المنازعات اليومية بيننا تدمر العلاقة التي ربطتنا لمدة سنتين حتى بات الانفصال هو الحل الوحيد.

أمراض نفسية

وعن المشكلات الصحية والنفسية التي واجهها عصام بسبب إدمانه الكذب قال بعد انقطاع علاقاتي الاجتماعية وانفصالي عن زوجتي، آثرت الانطواء على نفسي والتفكير بما قادتني إليه تلك العادة التي فرضتها علي سلوكيات تربوية خاطئة مورست بحقي قد تكون عن غير قصد، لكنها كانت سببا بتدمير حياتي.

لقد دخلت بمرحلة من الصراع الداخلي بيني وبين نفسي وأعتقد أني أصبت بالاكتئاب والإحباط، حتى بت لا أخرج من البيت إلا ما ندر، ورافق ذلك فقداني للشهية مما أدى لانخفاض وزني بشكل ملحوظ، وبدأت أشعر حينها بالإعياء التام، فكانت الزيارة التي قام بها أحد أقاربي لبيتي هي الفاصل بيني وبين الموت أو الانتحار وهو شخص متعلم وذو خبرة ودراية في الحياة وبعد نقاش طويل بيننا أقنعني بزيارة أحد الأطباء النفسيين والذي مازلت لحد الآن على اتصال معه حيث قام بتشخيص حالتي وكشف أنني مصاب بالكذب المرضي والذي تأصل بي لعدم علاجه في سن مبكرة، وقد شفاني أيضا من الاكتئاب الذي تعرضت له أثناء انقطاعي عن الناس وأنا الآن أمارس حياتي بشكل طبيعي محاولا استعادة علاقاتي الاجتماعية والأسرية.

من هنا نرى أن الإنسان بطبيعته الفطرية يكتسب من الآخرين، ويستخدمه لتسيير أمور حياته، لذلك فالطفل هو الأساس الذي يتم تشكيله وبناؤه، بحيث يكون صالحا في المستقبل ويتابع حياته بكل سلاسة وقوة بعيدا عن كل المشكلات النفسية والاجتماعية التي قد تهدم حياة أي شخص يرزح تحت وطأتها

كرم أحمد

Email