جذور

قبيلة شمر بطون وأفخاذ تنداح في المنطقة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تنداح قبيلة شمر العربية الشهيرة بأفخاذ على رقعة واسعة من الوطن العربي من العراق وسوريا والأردن والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان والكويت نزولاً إلى قطر وشرق المملكة العربية السعودية والإمارات.

ومن أشهر عشائر شمر في الإمارات الغفلة وواحدهم غفلي، وعلى الرغم من هجرة قبائل كثيرة متفرعة من طيء إلى العراق والشام ومصر فقد ظلت قبيلة (شمر) كممثلة للقبيلة (طيء) واستقلت بتسميتها وبقيت عشائر (شمر) في المنطقة رغم هجرة أجزاء كبيرة منها إلى العراق والشام وإفريقيا. حيث نجد كل عشيرة من عشائر شمر قد انقسمت إلى قسمين: قسم هاجر وقسم بقي في المنطقة حتى اليوم، تتمتع بانتماءين إذا صح القول، الأول انتساب سكاني (إلى جد أعلى) وهو إلى القبيلة حيثما تكون.. أما الثاني فهو مكاني أي الارتباط بمواقع حضارية تاريخية أهمها منطقة حائل.. فأحد أفرادها في العراق مثلاً تجده ينتمي لشمر دونما ارتباط بمكان.. مع أنه ينتمي بنفس الدرجة والوقت إلى مواطن شمر أي أنه يعتبر نفسه من حائل الجبلين في نجد. وعلى الرغم من هجرة أجزاء كبيرة من القبيلة، إلا أن القسم المهاجر والمقيم يرتبطان بوحدة انتماء مشتركة وهي قبيلة قحطانية.

ومن الناحية الثقافية تعتبر بإجماع من كتب عن الثقافة الشعبية والشعر النبطي ذات تراث شعري وفلكلوري بدوي عريق، لذلك اعتقد أمثال علي الوردي عالم الاجتماع العراقي المعاصر أن هجرة شمر إلى العراق قد ساهمت مساهمة فعالة في حفاظ هذا البلد على عروبته. كان لتولي الشيخ غازي الياور رئاسة الجمهورية العراقية الجديدة لفترة من الفترات، أعاد إلى الأذهان ذكرى شخصية جده الشهير الشيخ عجيل الياور، الذي كان أبرز رؤساء العشائر في العراق، وأكثرهم شعبية وتحضراً وذكاء، كما وصفه الكثير من الرحالة والمستشرقين والإداريين السياسيين الإنجليز الذين عملوا في العراق. وصفه الرحالة والمستشرق الألماني ماكس فون اوبنهايم Max Freiherr von Oppenheim في مؤلفه الشهير «البدو» بقوله: «يعتبر عجيل الياور زعيم شمر العراق، أكثر شخصيات اسر الشيوخ الحالية أهمية. فقد عرف كيف يتكيف بحنكة مع ظروف العصر».

وقد وصفته غيرترود بل (مس بل) Gertrude Bell في إحدى رسائلها إلى أمها قائلة: «انه شخصية رائعة، غريبة، وقوية. هذه الشخصية البدوية التي كانت تمتلك وعيا استثنائيا في فترة زمنية بالغة الحساسية تاريخيا (أوائل العشرينيات من القرن الماضي)، وعيا شهد به القاصي والداني، فرغم انه كان رجلا أميا لا يقرأ ولا يكتب إلا انه كان يمتلك فطرة البدو وفطنته وكاريزما ومنطقا يأسر كل من يستمع إليه.

وكان يعتبر من أوائل الشخصيات التي اهتمت بتعليم أبناء القبائل الرحل، إيمانا منه بأهمية العلم وإعدادهم ليكونوا مواطنين صالحين في دولة حديثة وليدة بعد أن ساهم مساهمة فعالة في إيقاف عادة الغزو والسلب والنهب بين القبائل. للاقتراب أكثر من سيرة هذه الشخصية الأسطورية التي ملأت الدنيا وشغلت الناس كان هذا اللقاء مع حفيده الشيخ فارس الياور سفير العراق الحالي لدى الدولة.

ـ كيف تصف لنا شخصية جدكم الشيخ عجيل الياور؟ ـ الشيخ عجيل الياور لم يكن مجرد شخصية قبلية شمرية بهذا المعنى الضيق المحدود، بل هو اكبر وأوسع من ذلك. نحن لا نستطيع أن نحصره في هذا الإطار القبلي فقط، لأنه كان شخصية عربية وطنية مشغولة بهموم الأمة، فلم يقتصر دوره الوطني على العراق فقط، بل تعداه إلى النطاق العربي الأشمل، تمثل في دعمه لنضال الشعب المغربي على سبيل المثال، ووقوفه إلى جانب عبدالكريم الخطابي في ذلك الوقت،

كان يذهب إلى مصر وكثير من الناس كانت تتساءل عن رحلاته تلك إلى مصر لماذا يذهب إلى مصر وماذا يفعل هناك، ولم تكن تعرف أنها لمؤازرة ودعم الشعب المغربي، في وقت حتى العلاقة بين العراق ومصر لم تكن بتلك القوة، أيام الحكم الملكي في العراق والحكم الملكي في مصر حيث لم تكن العلاقات بذلك الدفء، فكانت الشيخ عجيل يذهب إلى هناك لدعم الحركات التحررية وكان يراه واجبا وطنيا تحتمه أصول الشهامة والنخوة العربية.

ـ لماذا مصر بالذات؟ ـ لأن مصر كانت في الحقيقة في ذلك الوقت، هي الملتقى والمركز، تجمع المعنيين بالهم العربي المشترك، فكان يدعم من هناك عبدالكريم الريفي كما كان يسمى في ذلك الوقت فهو من منطقة جبال الريف ثم عرف فيما بعد باسم عبدالكريم الخطابي، هذه الأمور عرفنا بها مؤخرا فهو رحمه الله لم يكن يتكلم بما كان يحتمه عليه العرف والواجب الوطني. تصور عرفنا بهذه المعلومات بعد مرور أربعين سنة على وفاته وهي تكشف لأول مرة.

وهذا الموضوع لم يكتب فيه من قبل ولكن سوف يكتب ويسلط الضوء على هذا الجانب المضيء من حياة الشيخ عجيل، وعن جملة من الأحداث التاريخية إن شاء الله قريبا من خلال دراسة متكاملة عن حياته.

ـ متى برز برأيكم اسم عجيل الياور في تاريخ العراق الحديث؟ ـ برز اسم عجيل عند دخول الانجليز إلى العراق، من خلال وقفته المعروفة (بدقة خميرة) - اسم منطقة قريبة من تلعفر في شمال العراق قرب الموصل - في مقاومة الاحتلال البريطاني، وكان من أوائل الناس الذين قاوموا الانجليز، فكان أبناء القبائل يعتلون الدبابات والمدرعات البريطانية بجسارة ويقضون على من بداخلها من جنود الاحتلال.

وعندما لم تنجح تلك الثورة وأخمدتها القوات البريطانية حكم عليه بالإعدام عبر نهر دجلة وأقام فترة في مناطق دير الزور، وبقي هناك إلى أن بدأوا بفكرة تشكيل الدولة العراقية بمجيء الملك فيصل الأول إلى العراق، وكان حينها يبحث عن شخصيات يمكن الاعتماد عليها في تأسيس أول كيان للدولة العراقية المستقلة، فنصحه المستشارون من أمثال الأيوبي والمدفعي وغيرهما من الشخصيات الفاعلة باختيار الشيخ عجيل ضمن الشخصيات المؤسسة للمملكة العراقية في ذلك الحين، فحصلوا على إعفاء له من حكم الإعدام الذي أصدره بحقه الانجليز، وأرسلوا إليه رسولا يلتقي به ليبلغه باختيار الملك له، فكان مع شخصيات عراقية أخرى مثل طالب نقيب الأشراف ووقع عليهم الاختيار لتشكيل الكيان العراقي الجديد.

وهناك حادثة تاريخية شهيرة تتعلق بلواء الموصل في ذلك الحين، كان له دور فاعل فيها رحمه الله، عندما بلغه الخبر أن هناك استفتاء سوف يجرى حول الموصل وهل ستنضم إلى تركيا أم إلى الدولة العراقية الوليدة، وكان وقتها في منطقة الجزيرة، وأشيع بين الناس بأن القضية بين مسلمين وكفار وتعرف حساسية الناس البسطاء فكانوا يقولون لأهالي الموصل: هل تؤيدون انضمام الموصل إلى المسلمين أم إلى الكفار (ويقصد بها إلى الأتراك أم إلى الانجليز)، ولم تكن الناس على دراية بمرامي هذه الدعاية ومن المعروف أن مجتمع الموصل هو مجتمع عائلاته محافظة على دينها وأصولها وجذورها وأنسابها وما إلى ذلك، كان ولازال.

فما كان من الشيخ عجيل إلا أن أسرع بالذهاب إلى الموصل وأقنع بطريقته وأسلوبه بالحديث الناس بأن الاستفتاء هو لصالحهم وأنهم أمام مرحلة تاريخية جديدة تؤسس لكيان دولة جديدة مستقلة هي العراق الحديث، قال لهم إن المسألة لا تقرأ بهذه الطريقة فأنتم ينبغي أن تصوتوا لدولة هي دولتكم المملكة العراقية والملك هو فيصل بن الحسين، أما الانجليز فلن يبقوا في العراق إلى الأبد لابد أن يغادروا ومدينتكم الموصل سوف تكون من أهم مدن العراق. وكان لكلماته تلك وقع كبير ولاقت صدى وقبولا واستحسانا وكان التصويت لصالح بقاء الموصل داخل كيان الدولة العراقية.

تحديث القبيلة

كما كان لحياة عجيل دور بارز بالقضاء على المشاحنات وغارات الغزو بين القبائل قديما، وكان الأمر يحتاج إلى سعة أفق خاصة انه أدرك بفطنته أن هذه الغارات المسببة للاضطرابات لابد أن يوضع لها حد ولابد أن تتوقف، فهي مناقضة للاستقرار ومفهوم الدولة الحديثة، وكانت هذه العادة من أبرز سمات القبائل ومصدر عز وفخر وقوة القبيلة أنها القبيلة التي تغزو أكثر غيرها من القبائل، فكان من الصعب آنذاك وأدرك بفطرته رحمه الله أن هذا الارتقاء والتقدم لا يمكن أن يتم بدون التعليم، فكانت أول خطوة في هذا الاتجاه هو تأسيسه مدرسة سميت (مدرسة شمر عجيل) لتعليم أبناء القبائل مبادئ القراءة والكتابة والعلوم الأخرى.

وكانت هذه المدرسة عبارة عن خيمة تتنقل مع القبائل أينما حلوا وارتحلوا لتعليم أبنائهم، وقد درس في هذه المدرسة كل أبنائه، وكان من ثمرات هذه المدرسة التي أنشأها عجيل أن تخرج عمي صفوك وهو اكبر أبناء عجيل من الجامعة الأميركية في بيروت في الثلاثينات من القرن الماضي، وقد أكمل أبناؤه دراساتهم في أماكن مختلفة، فعمي احمد وعمي محمد تخرجا من أميركا، وعمي حميدي من ألمانيا بعد أن درسوا في كلية فيكتوريا في مصر، وقد وزعهم على عدة دول فكان اهتمامه كبيرا بمسألة التعليم.

إضافة إلى ذلك اهتم بمسألة توطين أبناء القبائل، فوطن شمر، ووزع عليهم أراضي، وأعطى لكل شيخ فخذ من قبيلة شمر أراضي توزع على أبناء هذا الفخذ، وهو من أوائل شيوخ العشائر الذين قاموا بتوزيع الأراضي في حياته، فعرفت هذه الأرض لعبدة وهذه الأرض لزوبع وهذه للخرصة وهكذا، وهكذا ساهم عمليا بتوطين واستقرار أبناء القبائل الرحل وكان من عادته رحمه الله تشجيع أبناء القبائل على التعلم والدراسة وكان يداوم تقريبا يوميا في المدرسة (الخيمة المتنقلة) التي أنشاها حين يكون في الجزيرة بين أبناء القبائل، وكان من يقوم بالإشراف على هذه المدرسة عبدالكريم سيسي من أهالي منطقة تلكيف.

وهو من ابناء العائلات الموصلية المسيحية ثم بقي سكرتيرا شخصيا لحياة عجيل فيما بعد، وهناك العديد من الصور التي أرخت لتلك الزيارات وتلك المرحلة المبكرة من دخول التعليم بين أبناء القبائل الرحل بفضل حياة عجيل رحمه الله. وكان له الكثير من الرحلات فقد زار سوريا أكثر من مرة بحكم القرب ولبنان وزار تركيا قبل أن يصبح شيخا على شمر ومن هنا جاء لقبه الياور.

ولهذا اللقب قصة حيث كان كلما زار تركيا عمه حميدي فيكون هو معه حتى صاروا يقولون كلما اقبل ها قد جاء (ياور حميدي) في محاولة أن يبخسوه حقه ويتندرون على اللقب، فالتفت إليهم وقال: والله سوف اجعل من هذا اللقب مصدر عز وفخار وسأجعلكم (تتوسمون بهذا اللقب) يقصد بدل أن يكون مصدر تندر، وبالفعل بعد أن شاخ ( أصبح شيخا لشمر) قال: أنا اسمي عجيل الياور لا أريد لقب باشا ولا اي لقب أو رتبة أخرى وبقي هذا اللقب حصرا في أبناء عجيل فقط أما أبناء عمومتنا فلقبهم الجربا كما تعرف.

وكان من أوائل المهتمين بالمكننة الزراعية فهو يعد أول من ادخل المكننة إلى العراق حيث كان يحرص خلال رحلاته المتعددة إلى أقطار العالم المختلفة إلى البحث والاستقصاء عن آخر المخترعات والآلات التي يمكن أن تساهم في تقدم الزراعة، وفي إحدى زياراته إلى ألمانيا بدعوة في عام 1932 أو 1933م قبل الحرب، وكان معظم أبناء القبائل التي سعى إلى توطينها تعمل في الزراعة. وكان يوصي بأن تستغل العائدات المالية الآتية من الزراعة وتصرف على استصلاح أراضي جديدة.

وكان يتمتع بشخصية محببة، فحاول إقامة جسور محبة وتواصل بين أبناء القبائل وأبناء مدينة الموصل الحضر، وكان زائر مدينة الموصل من ابناء العشائر البدوية لا يستسيغه أبناء الموصل بسهولة في تلك الأيام، كونهم في مجتمع حضري، يختلفون في طرق معيشتهم وتفكيرهم وعاداتهم عن أبناء القبائل الرحل التي تعيش خارج المدن، ففكر بطريقة تجعل هناك نوعا من العلاقة المباشرة بينهم، فدعا أبناء مدينة الموصل إلى مساعدة إخوانهم أبناء القبائل في زراعة أراضيهم.

ـ كنت في زيارة لجمهورية أرمينيا قبل فترة، وتحدثت إلى عدة مستشرقين هناك كانوا يذكرون شيوخ شمر بخير، وحسن معاملة أبناء شمر لأجدادهم الأرمن الذين هاجروا إلى العراق وسوريا عام 1915م وما بعده، فهل هناك توثيق لهذه الأحداث لديكم؟ ـ نعم بالتأكيد، فقد قدمت شمر لهم الحماية، في الحقيقة لدي رسالة من الشريف حسين أرسلها إلى (جدودنا) في ذلك الزمن يوصيهم بالأرمن خيرا.

شجرة القبيلة في المراجع

كتب الكثير من المستشرقين عن مفهوم القبيلة وقد تمت تلك الكتابات تحت إلحاح هاجسين الأول تمحور حول محاولة لفهم الإسلام وذلك من خلال البحث عن جذوره في الخيمة والقبيلة. والهاجس الثاني كان تقديم النصيحة بصورة مباشرة أو غير مباشرة للإدارات الاستعمارية، في كيفية التعامل مع العرب. لابد من الإقرار بهذين الهاجسين، ولكن ما قدم من الدراسات والبحوث الاستشراقية في هذا المجال وكانت من أغزر وأتم الدراسات المنهجية العلمية، المعززة بالبحوث الميدانية.

حيث كان اغلب أولئك المستشرقين هم من المستعربين والرحالة من الأكاديميين المتخصصين، سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو الاثنوغرافيا أو الأنثروبولوجيا أو اللغة العربية وفقه اللغات والآثار وما إلى ذلك من فروع العلم. وقد شكلت تلك الدراسات المتميزة التي أنتجها الرحالة المستشرقون مكتبة صلبة لكل من يريد أن يفهم الشرق على حد تعبير ادوارد سعيد في كتابه الشهير (الاستشراق) وجاء فيها ذكر ومعلومات مفصلة عن قبيلة شمر العربية.

تلك التقارير والدراسات لم تأت من عبث، فقد تجشم المستشرقون الصعاب وتعرضوا للجوع والعطش وحتى محاولات القتل، ولكن روح المثابرة والولع بالبحث والتدقيق والتمحيص، ومعايشة البدو كانت تحدوهم للمزيد من العمل. نذكر منهم الليدي آن بلنت Anne Blunt الانجليزية،التي الفت كتابا عن «عشائر الفرات - 1878م» وقامت مع زوجها المستر ولفرد سكاون بلنت برحلة على ظهور الإبل من دمشق إلى نجد، ثم الفت مع زوجها كتابها المعروف «رحلة إلى نجد».

ومنهم الرحالة بركهاردت Burckhardt صاحب كتاب «رحلة في بلاد العرب»، الذي قدم وصفا شاملا مع شجرات الأنساب لقبائل العراق والشام والحجاز. والمستشرق التشيكي Musil صاحب كتاب «بلاد العرب الصحراوية»، وكتاب آخر عن عشيرة الرولة التي عاش بين ظهرانيها عدة سنوات، متحملا كل مشاق الحياة عندهم.

ومونتاني Monttaggne الذي حرر عدة مقالات حول أشعار البدو وقصصهم منها كتابه (قصص شعرية بدوية ملتقطة من شمر الجزيرة)، ومجموعة دراسات عن البدو حررها رهبان يسوعيون مثل دراسة الراهب اليسوعي هنري شارل Charles عن العشائر الغنامة في الفرات الأوسط»، ودراسات أخرى حررها ضباط فرنسيون، كدراسة ألبير بوشمان Bouchmene عن «أمتعة المعيشة البدوية».

وأما كتاب المستشرق والرحالة ماكس فون اوبنهايم Max Freiherr von Oppenheim فهو موسوعة ويعتبر من اجل الدراسات وأكثرها عمقا في فهم القبائل البدوية ودراستها دراسة تاريخية اجتماعية واقتصادية وسياسية وانثروبولوجية تحرى فيه الدقة وكان يرجع بعد بحوثه الميدانية وجمعه للروايات الشفهية من أفواه الرواة، فيقوم بتوثيقها، ويرجع إلى شيوخ القبائل للاستعانة بشجرات انساب القبائل.

يقول عنه مؤلفه: إن هذا الكتاب حصيلة أربعين عاما من العمل والملاحظات والتسجيلات الشخصية التي قمت بها في عين المكان. وقد وصف اوبنهايم الشيخ عجيل الياور في مؤلفه السالف بقوله: يعتبر عجيل الياور زعيم شمر العراق، أكثر شخصيات اسر الشيوخ الحالية أهمية. فقد عرف كيف يتكيف بحنكة مع ظروف العصر، وقد ورث أراضي واسعة عند قلعة شرقاط وتكريت كان السلطان عبد الحميد قد أهداها إلى جده فرحان، فضلا عن أراضي اشتراها هو نفسه في منطقة تلعفر وقرية قلعة شرقاط، يسكن فيها من حين لآخر.

يقيم الشيخ عجيل مضاربه عادة قرب تلعفر، وأحيانا قرب سنجار أيضا. ويتابع أعماله في الموصل بنفسه، بينما يمثله لدى حكومة بغداد ابن عمه مشعان بن فيصل، المشرف على أملاكه عند قلعة شرقاط. قام الشيخ عجيل برحلة إلى أوربا عام 1937م، قادته إلى حفل تتويج الملك في لندن والى ألمانيا، حيث ترك بقامته الباسقة، وكبريائه، وطريقته النبيلة والمحببة، انطباعا عميقا لدى كل من التقاه.

كما ويشير اوبنهايم إلى سلسلة نسب الشيخ عجيل الياور فيقول: (تتكون سلسلة نسب عجيل من عجيل بن عبدالعزيز بن فرحان بن صفوك بن فارس بن الحميدي بن مقرن (مجرن) بن مشعل بن شلاش بن سالم بن محمد..ابن فضل..ابن معن. ويتحدر معن، ككل شمر، من قحطان: العرب الجنوبيين. وقد أخذت هذه المعطيات من شجرة نسب أرسلها إلي من بلاد الرافدين بطريقة تستحق شكري عجيل الياور مع صفوك ابنه البكر، قبل طباعة هذا الكتاب.

كما اهتم بموضوع القبائل الكثير من الإداريين السياسيين والعسكريين من أمثال السير برسي كوكس Pursy Cox مفوض الانتداب السامي في بلاد مابين النهرين، والكوماندر ج.ف. جونز، والرحالة زاخاو، وما كتب في الحقيقة عن حائل وقبيلة شمر الطائية كثير، فبالإضافة إلى ما ذكرنا على سبيل المثال مما سبق ذكره من مؤلفات، كلها تقريبا أتت على ذكر هذه القبيلة المهمة، إذا مااضفنا إلى ماسبق مؤلف الرحالة Palegrave بالغريف والرحالة داوتي Doghuty، والمستشرق جورج أوغست والن Wallin الذي زار جبل شمر مرتين في عام 1845و 1848 وجمع الكثير من محكيات شمر نجد وقام برسم ثلاث أشجار نسب لها، وكتاب كارلو غورماني.

وهناك مؤلف لرحالة أوربي زار حائل وكتب ما شهده أثناء زيارته للمنطقة وهو البارون إدوارد نولد Baron Eduard Nolde وهناك مؤلف لرحالة شهير جداً زار حائل عام 1887م، وهو الحاج عبد الله وليامسون Abdullah Williwamson تحدث فيه عن مشاهداته ولقاءاته مع أبناء قبيلة شمر وهو بعنوان (مغامر في جزيرة العرب).

ولم تخل مؤلفات غرترود بلGertrude Bell وهي المسز بل الشهيرة التي لعبت دورا كبيرا في سياسة الشرق الأوسط ورسم خريطته وقد زارت حائل وكتبت عنها في سلسلة رسائلها (Gertrude Bell. The Letters of Gertrude Bell، London، 1927 وكانت قد عايشت أحداث العراق والتقت شيوخ قبيلة شمر ومن أبرزهم الشيخ عجيل الياور. وقد وصفته في إحدى رسائلها إلى أمها قائلة: لسبب لم نعرفه قط، وهو طويل القامة يبلغ طوله ست أقدام وأربع بوصات، شخصية رائعة، غريبة، وقوية.

ليس في جسمه أونس واحد من الشحم الزائد، ويداه نموذجيتان، وتحت كوفية حمراء تتدلى على صدره أربع جدائل غليظة سوداء من الشعر، وله لحية سوداء مشذبة وقصيرة، مع عباءة ذهبية وقميص قطني ابيض، مزرر إلى الرقبة والرسغين. عمل الشيخ عجيل بنشاط كبير على إسكان عشيرته وتحضيرها وتعليمها الزراعة بأساليب عصرية وبفكر تقدمي نير.

وتنقسم قبيلة شمر إلى عدة أفخاذ منها: (عبدة - الأسلم - سنجارة) ولها عدة أقاليم أكبرها في شمال المملكة العربية السعودية وجزيرة شمر (أو مايطلق عليها بالجزيرة الفراتية) في العراق وكذلك منطقة ربيعه والمناطق التابعة لهم من مدينة الموصل إلى حدود سوريا في شمال العراق، وقرية الياور تعرف «بالعلقانة»، فهذه القبيلة العربية الصرفة تمتد بعشائرها وبطونها على شكل قوس من شمال العراق ويكمل انحناءه في سوريا ثم الأردن وينعطف بعد ذلك شرقاً في شمال المملكة العربية السعودية وينتهي بالكويت.

وإذا تابعنا المفكر العربي محمد عابد الجابري في قوله أن الأعرابي هو صانع العالم العربي لان النحاة الأوائل وعلماء اللغة دونوا لغة الإعراب. أدركنا أهمية البداوة في الثقافتين العربيتين العالمة والشعبية.

عمار السنجري

Email