جنود مجهولون ضد جرائم التزييف في شرطة دبي

خبراء كشف التزوير.. كتيبة تعرية الحقائق

ت + ت - الحجم الطبيعي

يتنافس الأشرار على طمس الحقائق وتغييرها بما يتماشى مع رغباتهم ومصالحهم العمياء، وإذا تغيرت أو انقلبت الحقائق أصبح من الضروري وجود ضحايا أبرياء لهؤلاء الأشرار، يدفعون ثمن شرورهم، ويتكبدون الخسائر نتيجة تزييف هذه الحقائق أو طمسها. وفي الإدارة العامة للأدلة الجنائية وعلم الجريمة بالقيادة العامة لشرطة دبي، يعمل فريق من الجنود المجهولين على كشف التزوير والتغيير في الحقائق، وتعرية من قاموا بقلبها لمصالحهم الذاتية دون مراعاة لحقوق المجتمع، ويقوم هؤلاء الجنود ببذل جهودهم وخبراتهم التي تعلموها في سبيل المحافظة على الحقائق واضحة للجميع.. للمحكمة وللمجتمع، ويبذلون كل جهد لإعلاء قيمة الحق فوق الباطل، ويسعون إلى الرد على حيل المزورين والمتلاعبين بقوة وحسم.

 

خبرة المختصين

في البداية يؤكد فايز عبد المنعم إبراهيم الخبير بقسم فحص المستندات بالإدارة، على أن أية جهة تتعامل مع مستندات قد يساورها الشك في صحة أحد هذه المستندات تطلب الفحص الفني، ويضرب مثلاً بالنقود، فيقول إن الصراف الذي يعمل في المصرف أو في شركة صرافة والذي تعود على ملمس الأوراق النقدية يستطيع بسهولة التعرف على الأوراق المزيفة بمجرد أن يلمسها، ونلاحظ هنا أن الصراف لا يتعامل مع النقود فقط من خلال حاسة النظر كما يفعل معظم الناس، ولكن يستخدم أيضاً حاسة اللمس لفحص العملات، فإذا اشتبه في مجموعة أوراق يقوم بفحص العلامات الخاصة بها إذا كانت خبرته تساعده على ذلك، بينما يلجأ إلينا أو إلى المصرف المركزي إذا فشل في التعرف على حقيقة النقود.

ويضيف الخبير فايز أن المقارنة مع نموذج صحيح توضح إذا كانت النقود حقيقية أو مزيفة، كذلك المستندات الأخرى يمكن التعرف على أي تغيير في الحقائق من خلال المقارنة مع نماذج سليمة، والقانون يجرم أي تغيير في الحقائق المثبتة على مستند ما، حتى ولو كان مستنداً عرفياً بين شخصين، ويقول أن كل مستند يحمل ظواهر مادية يستند إليها الفاحص للتوصل إلى حقيقته أو زيفه، والمستند الصحيح أو الحقيقي هو الذي لم يتعرض لأي تغيير في حقيقته، بينما التغيير يعني أنه مزور.

ويشير الخبير فايز إلى أن هناك عددا من المعايير تسهم في التوصل إلى حقيقة المستند، منها خبرة الفاحص الذي يتعامل مع المستند، ثم اعتماده على الوسائل التي تساعد على الفحص وهي نوعان، إما الفحوص الطبيعية القائمة على الأساليب العلمية، أو الفحوص الكيميائية، والفحوص الطبيعية هي طريقة الفحص التي لا تغير في طبيعة أو محتوى المستند، وتستخدم مع ما يقرب من ‬99٪ من حالات فحص المستندات، مثل الفحص بالنظر المجرد أو باستخدام العدسات المكبرة أو الفحص بالملمس، كذلك استخدام الإضاءة مثل الضوء الجانبي أو المائل أو النافذ، وأيضاً باستخدام أجهزة الأشعات غير المنظورة، وهي لا ترى بالعين ولكن يمكن مشاهدة تأثيرها على المستند، بينما النوع الثاني هو الفحص الكيميائي باستخدام بعض المواد التي تغير في طبيعة المستند وقد تسبب التلف، ولكن لكل نوع استخداماته وفعاليته.

ويضيف الخبير فايز أن الورقة النقدية المشكوك في صحتها مثلاً يتم إخضاعها للفحص بالطرق الطبيعية بهدف التعرف على مكوناتها من أوراق وأحبار ووسائل الطباعة ووسائل حماية.. هذه العناصر لو تطابقت مع عناصر الورقة الحقيقية يعني ذلك أن الورقة محل الشك تبين سلامتها، ويشير إلى تعدد وسائل الحماية التي توضع في أوراق النقد مثل العلامة الأمنية والخيط الأمني، وهما وسيلتان من وسائل تأمين النقد ومن وسائل الفحص لدى عامة الناس أيضاً، حيث تقوم جهات إصدار النقد حول العالم بالإعلان عن وسائل الحماية في الصحف ليتمكن الناس من كشف الأوراق المزيفة بسهولة، وما لا يعرفه الكثيرون هو أن العلامة المائية والخيط الأمني هما من مراحل تصنيع أوراق النقد وليسا من مراحل طباعته، وبالتالي من المستحيل تقليدهما لأن التقليد يتطلب مبالغ باهظة لتصنيع ورق البنكنوت، مما يفوق الإمكانات المالية للمزورين ويفقد العملية عائدها الاقتصادي. ويوضح الخبير فايز أن إنتاج أوراق النقد يتطلب أكثر من وسيلة طباعية، أهمها الطباعة البارزة، بينما أقصى ما يمكن للمزور أن يفعله هو استخدام وسيلة واحدة لإنتاج الشكل العام للورقة وهو الطباعة المسطحة، دون تفاصيل البروز التي تتمتع بها الورقة الحقيقية.

 

فحص الخطوط

ومن ناحيته يشير حازم حسن محمود خبير فحص التزوير والتزييف بالإدارة العامة للأدلة الجنائية، إلى أن مهمة فحص الخطوط والتواقيع تحتاج إلى الدقة والتقنيات العالية، خاصة مع تطور وسائل التزوير ومع التوسع العالمي في استخدام بدائل النقود مثل الشيكات وبطاقات الائتمان، وقال إن هناك بعض التواقيع ينكرها أصحابها، ودورنا هو استكتاب الشخص المنسوب إليه التوقيع للوقوف على أنه صاحب التوقيع أم لا، ومن خلال المضاهاة بين الخط المعلوم للشخص المستكتب والخط المجهول الموجود على المستند، يمكن التوصل إلى الحقيقة. ويضيف الخبير حازم إلى وجود ما يسمى المميزات الخطية الفردية، هذه المميزات تختلف من شخص إلى آخر، ويمكن للخبير عن طريقها التوصل إلى الحكم بأنه هو محرر التوقيع من عدمه، ويوضح أن الاستكتاب قد يطول حتى يصل إلى صفحات كثيرة حتى يتوصل الفاحص إلى قناعة تامة وحكم نهائي على الموضوع.

وينصح الخبير حازم بضرورة أن يطلب أصحاب المطالبات المالية المسددة بشيكات، أن يكتب كل صاحب توقيع اسمه بجوار توقيعه، خاصة من تضطره ظروفه إلى التعامل الدائم بالشيكات، كذلك أية توقيعات على أية محررات لابد أن نطلب من صاحب التوقيع أن يكتب اسمه بخط يده، ويقول أن استبدال التوقيع «الفورمة» عند الاستكتاب أسهل من استبدال طريقة كتابة الاسم، وبالتالي إثبات أو نفي نسبة التوقيع إلى شخص محدد يسهل إذا كان قد كتب اسمه على نفس المحرر بخط يده، خاصة إذا توافر عنصر سوء النية في شخص ما فوضع على المحرر توقيعاً مخالفاً للتوقيع الذي يقدمه للفاحص.

 

تزوير الجوازات

ومن جهتها قالت منى السويدي خبيرة فحص التزوير والتزييف بالإدارة العامة للأدلة الجنائية بشرطة دبي، إن الدول تتخذ إجراءات عديدة لحماية جوازات السفر من التزوير، ولكن ابتكارات المزورين لا تتوقف، وتوضح أن هناك عدة أنواع من تزوير الجوازات، منها تزوير الجواز كلياً أو تزويره جزئيا بانتزاع الصورة ووضع أخرى بدلاً منها، وهناك طريقة أخرى ابتكرها المزورون وهي انتزاع صفحة البيانات بالكامل من الجواز واستبدالها بأخرى تحمل بيانات شخص آخر.

وتضيف منى أن صفحة البيانات في جواز السفر تكون محمية بطبقة من البلاستيك الشفاف يحمل علامات خاصة يسهل التعرف عليها لدى المختصين في كشف التزوير، وعندما يرغب المزور في تغيير هذه البيانات أو استبدال الصورة يقوم باستخدام تقنية التجميد أو البخار لرفع الطبقة البلاستيكية عن الصفحة، ومن ثم ترتكب واقعة التزوير، وتشير إلى أن هذه الطريقة تترك آثاراً لا يكتشفها إلا خبراء الفحص، لأن وسائل الحماية تتلف عند فصل الغلاف البلاستيكي عن الصفحة الورقية، علاوة على أن الأشعة غير المرئية تؤكد إزالة علامات الحماية، ويقع هؤلاء المزورون في أيدي العدالة عندما يكشفهم جهاز فحص بصمة العين في المطارات أو المواني لدى محاولتهم الدخول إلى الدولة بعد استبعادهم، وعند فحص الجوازات يتبين قيامهم بتزويرها. أيضاً من وسائل حماية جوازات السفر كما توضح الخبيرة منى السويدي، استخدام جهات الإصدار الحبر الفسفوري في كتابة البيانات، وتؤكد أن إعادة طباعة بيانات جديدة على صفحة الجواز يسهل على الفاحص اكتشافها بفحص نوع الحبر المستخدم في تسجيل البيانات، خاصة مع المقارنة بطباعة موجودة على جواز آخر سليم. وتوضح الخبيرة احتمال وجود بعض العيوب الطباعية أو الفنية في بعض جوازات السفر الصادرة عن بعض الدول، وتضيف أن هذه العيوب لا تمس علامات الحماية الموجودة في الجواز، وبالتالي يوضح الفحص سلامة الجواز وعدم خضوعه لأي تزوير، ويكشف الفاحص أن هذه العيوب ليس معناها تزوير، ولكنها عيوب تصنيع ناتجة عن خط الإنتاج الذي يصنع أعداداً هائلة من هذه المطبوعات.

 

 

تطابق

تقنيات لنسخ التوقيع الأصلي

 

 

 

قال الخبير حازم حسن إن المحتالين قاموا باستحداث نوع جديد من تزوير التوقيعات يطلق عليه التوقيع الالكتروني المزور، وهو عبارة عن نسخ التوقيع الأصلي باستخدام الماسح الضوئي «الاسكانر»، بعد الحصول على توقيع صحيح، فيحصل المزور على نسخة مطابقة لأصل التوقيع، وبنفس لون الحبر الموقع به صاحب التوقيع الأصلي، ولكن على صفحة أو عدة صفحات بيضاء، ويضع هذا التوقيع على المحررات الرسمية مثل إيصالات الأمانة، ويؤكد الخبير أن فحص التوقيع يثبت أنه توقيع صحيح، أي يطابق التوقيع الحقيقي لصاحب المستند، ولكنه ليس أصلياً بل منسوخا مما يبطل صحة المستند، ويؤكد هنا أن المضاهاة لابد أن تكون باستخدام وثائق أصلية وليس نسخا مطبوعة، لأن الوثيقة الأصلية هي التي تحمل التوقيع الأصلي وليس المنسوخ. ويضيف الخبير حازم أن الفحص أثبت براءة الكثيرين خاصة في مجال الشيكات، حيث تبين أن شيكاتهم سرقت منهم ووقعت في أيد غير أمينة، قامت بتزوير توقيعاتهم، وعلى العكس أيضاً قدم الفحص كثيرين من المتهمين بالتزوير إلى ساحة القضاء لمحاكمتهم بعد ثبوت تهمة التزوير في حقهم، وكشفها بالطرق الفنية.

 

 

 

تفنن

طرق حديثة لتزوير الأختام

 

 

 

تشير الخبيرة منى السويدي إلى احتراف البعض تزوير ختم الدخول أو الخروج من الدولة، الذي تستخدمه إدارات الجنسية والإقامة في منافذ الدولة ليطبع على الجواز موضحاً تاريخ ومنفذ المغادرة أو الوصول، ويستخدم المزورون هذه الأختام لإتمام بعض الاتفاقات التي تستلزم وجود إقامة صالحة مثل استئجار السيارات، وتقول إن وسائل التزوير تطورت من التزوير اليدوي لشكل ومحتوى الختم، إلى استخدام الماسحات الضوئية في نسخه، وأخيراً توصل المزورون في المراحل الأخيرة إلى طريقة تعتمد على استحداث قالب كامل للختم، وعلى الرغم من دقة هذه التقنية في التزوير، إلا أنه يسهل التوصل إلى كونه ختما مزورا عن طريق الفحص والمقارنة بالأختام الصحيحة، كما قام أيضاً بعض المزورين بوضع صورته في المربع الأبيض الموجود في ملصق الإقامة، وينطبق هذا الإجراء على مزور الجواز أو مستبدل الصورة، لأنه يضطر أيضاً استبدال الصورة المطبوعة على ملصق الإقامة، وهو يستخدم طرق يطلق عليها المحو الميكانيكي ويثبت صورته مستخدماً أجهزة الكمبيوتر، خاصة مع وجود بعض النماذج السليمة من ملصقات الإقامة تتضمن فراغاً لمكان الصورة ولكن لا تحمل صورة لصاحب الإقامة.

Email