لا يزال تاريخ الإمارات بكل فروعه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي والتاريخي والجغرافي لم يدون بعد بصفة مكتملة وأنى يتأتى ذلك. وإذا كانت هناك جهود تذكر فتشكر إلا أنها تعد محاولات، حيث إنها لم تتضمن كل الجوانب في القضايا التي تعرضت لها.
وقد حاول بعض الأقدمين الكتابة في شيء من هذا إلا أنها جهود اقتصرت على ما كان متاحاً أمام من كتبوا وما كان يدور في دائرة اهتمامهم، وجاء الباحثون العلميون فبنوا وأسسوا على ما كان أمامهم. وبذل البعض منهم جهوداً في جمع مادتهم بالمشافهة أو مما نقلته تقارير البعثات الآثارية والسياسية مثل تقارير البرتغاليين والهولنديين والبريطانيين أو من كتب من غيرهم.
وتبقى صفحات مجهولة من هذا التاريخ ممكن استقراؤها من بعض المستندات وبعض القصاصات أو بعض الأوراق المتناثرة هنا وهناك وإن كان أغلبها مصورات لا يعرف مكان أصول الكثير منها، إن كانت لا تزال لدى أحد من الذين احتفظوا بشيء من ذلك. أو كتب عنها بشكل مقتضب. وعلى صفحات «البيان» نحاول خلال هذا الشهر الكريم أن نلقى الضوء على بعض ذلك.
لا ندعي أن كل شيء من صفحات هذا التاريخ قد تم احصاؤه، إنما هي أمثلة لبعض ما أشرنا إليه، المراد به استثارة همم الباحثين والمؤرخين لدراسة ما لديهم وتقديمه أمام المتلقين، وإشعار من يحتفظون بوثائق من هذا القبيل بأهمية الدفع بها إلى الباحثين لدراستها وتقديمها. فهذه مجرد أمثلة حاولنا تقديمها في فصول مجازية للفصل بين موضوعاتها.
يتفق كل من كتبوا عن بدايات التعليم بالإمارات أنه بدأ بالكتاتيب من الرجال والنساء وفي فترة من الفترات بدأ التعليم التقليدي أو شبه النظامي وهو أن يقوم أحد المحسنين أو رجال المال بافتتاح مدرسة لتعليم الأبناء يكون بها مدرس أو أكثر وفق منهاج دراسي. ثم بدأ التعليم النظامي ثم الحديث.
بيد أن الذين كتبوا في ذلك أرخوا للتعليم شبه النظامي بالمدرسة التيمية المحمودية وذلك نقلاً عن رواية للمرحوم الشيخ محمد بن علي المحمود الذي نسب إنشاء المدرسة إلى والده الوجيه علي المحمود ومع الاحترام والتقدير لشخص المرحوم محمد المحمود وأسرته الفاضلة إلا إننا لابد أن نتحرى الدقة.
فالشيخ المحمود يرى أن هذه المدرسة كانت في عام 1907 وأن مديرها كان الشيخ عبدالكريم البكري الذي أحضره والده علي المحمود هو وأعضاء هيئة التدريس التي ضمت كلاً من صالح بن محمد الدريش، عبدالله بن عبدالعزيز السليمان، صالح الغماس، سالم بن محمد اليماني، محمد بن فيصل الحريملي، فيصل بن محمد الحريملي، إبراهيم بن محمد الزلفي، عبدالله بن سعيد، سعيد الحريملي، سيد علوي، وأن المدرسة الأحمدية في دبي والوهيبية في الحيرة أخذتا نظام المدرسة التيمية في التعليم الابتدائي. وهناك من يقول إنها أنشئت عام 1905 ومن يرى أنها عام 1903.
وبالعودة إلى الوثائق التي بين أيدينا نعود إلى نص أورده مؤرخ الشارقة الأستاذ عبدالله بن صالح المطوع؟ حيث يقول عن دراسة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي حاكم الشارقة 1924 ? 1951 وإبراهيم بن محمد المدفع (ويوم عهد إليّ بتعليم الأمراء الشيخ سلطان بن صقر وأخوته أبناء الشيخ صقر بن خالد سنة 1332هـ (1914م) نقلت الكتاب الذي ورثته عن أبي وجدي ويحق لي أن أسميه كتاب الأمراء والأعيان إلى مدرسة عصرية دعيت (المدرسة القاسمية) فدخلها معهم (يعنى إبراهيم المدفع).
وصار زميلاً للشيخ سلطان بن صقر رحمه الله وصديقاً حميماً له وختما القرآن في مدة قصيرة، وتعلما مبادئ علم التوحيد والعلوم الدينية عند الشيخ عبدالكريم بن علي البكري، والخط عند ابن مقلة زمانه أحمد بن عبدالرحمن الهرمسي المعروف بأبو سنيده.....) ولم يذكر أنهما درسا بالمدرسة التيمية المحمودية. وهما الحريصان على التعليم والتحصيل.
وإبراهيم المدفع من مواليد 1327هـ (1909م) أي في سن الدراسة عندما كانت المدرسة التيمية التي استمرت حتى بدء المدرسة الأحمدية بدبي كما يذكر والتي تأسست كما هو مدون على بابها عام 1912.
ووثيقة أخرى نجد فيها خطبة ألقيت بحضرة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي يقول فيها ملقيها «.... يا صاحب السمو وأميرنا المحبوب وإخواني الكرام إنني وسائر زملائي أعضاء المكتبة التيمية أول من فكر في إنشاء مدرسة في البلاد لتعليم العلوم الدينية والعقيدة السلفية.
حيث علمنا علم يقين بمسيس الحاجة إلى ذلك، لما رأينا من انتشار البدع والخرافات، وفساد الأخلاق فسعينا لذلك سعياً حثيثاً، غير أنه لم يتم لنا المقصود لما يعترضنا من الصعوبات والعقبات في الطريق فصبرنا لأن الأمور مرهونة في أوقاتها.
وقد حضر إلى هذه البلاد في الشهر الماضي حضرة الأستاذ الفاضل والمربي الكامل الشيخ صالح بن محمد الخليف، وحضرته أشهر من أن يذكر ومثلي عاجز عن إحصاء ماله من المناقب والخصال الحميدة، غير أني أؤكد لكم أنه ممن نرضاه لديننا ونأتمنه على عقائد أولادنا، ونختاره لتربيتهم، ويندر وجود أستاذ مثله، وقد فتح هذه المدرسة الصالحية وأرجو أن تكون صالحة كاسمها إنشاء الله.
وحيث إن شكر المحسن واجب فأنا أشكر حضرة الأخوين مرزوق ومحمد أبناء علي الكامل فهما اللذان اجتهدا في إحضاره إلى هذه البلاد وسيسطر لهما التاريخ هذه المفخرة بأحرف من نور......) ونلحظ قول الخطيب إنه قبل هذا التاريخ لا توجد مدرسة وأنه هو وزملاؤه في المكتبة التيمية أول من فكر في إنشاء مدرسة. لكن هذه الخطبة غير مؤرخة. ولا يتضح أسم ملقيها. غير أننا في وثيقة أخرى سنجد تاريخاً تقريبياً لذلك.
وبعد أن فرغ صاحب فكرة المدرسة من خطبته نجد وثيقة أخرى نقلت كلمة للشيخ سلطان بن صقر يرد فيها على ذلك قائلاً «أخبركم أني بغاية الابتهاج والسرور باجتماعكم هذا واحتفالكم بفتح المدرسة الصالحية لنشر العلوم والمعارف في بلادي التي هي وطنكم ومسقط رؤوس آبائكم وواجب عليكم خدمتها..
وأن العلم الذي أحب انتشاره هو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وبث عقيدة السلف الصالح وسيكون ذلك على يد أستاذ المدرسة الشيخ صالح بن محمد الخليف الذي أذنا له بفتحها وأوليناه ثقتنا التامة».
ويتضح من ذلك أن الصالحية هي أول مدرسة لأنه لو كانت ثمة مدرسة سبقتها لكان هناك احتجاج من الحضور بل لن يجرؤ أحد على قول مثل هذا القول. أما الوثيقة التي تؤكد تاريخ فتح المدرسة الصالحية فهي تحمل تاريخاً يحدد يوم إلقائها حيث ورد أنها في 1 ذي القعدة سنة 1348هـ الموافق عام 1930م حيث يقول نص الوثيقة «أما بعد أيها الشيخ المطاع والأمير المحبوب أرحب بك وسائر أخوتك الكرام وعموم الحاضرين، وإن زيارتك لهذه المدرسة الصالحية لدليل واضح على رغبتك الصادقة وإنا نرجو الله أن يوفقك إلى كل خير»، ويمضي قائلاً:
«أخواتي إن المدرسة الصالحية قد سارت في بدء نشأتها سيراً حثيثاً وآتت بالفائدة التي لم نكن نظن أن تحصل للأولاد إلا بعد ستة أشهر ولكن ولله الحمد والمنة قد ظهرت النتيجة في أقل من شهرين وما ذاك إلا لما بذله صاحبها الشيخ صالح بن محمد من الجد والاجتهاد».
إذن ما نطمئن إليه هو أن أول مدرسة بالشارقة هي المدرسة الصالحية التي تؤيد أولويتها الوثائق التي بين أيدينا. وقد يكون الوجيه علي بن محمد المحمود قد أحضر الشيخ عبدالكريم البكري لتدريس أولاده ورفاقهم في منزله أو مكان قريب للمنزل.
كما أن ما دار من روايات حول المدرسة التيمية المحمودية من أن عدد طلابها بلغ 500 طالب منهم 150 مائة وخمسون طالباً من الوافدين من خارج الشارقة وكانوا يقيمون بمنزل المحمود فقد نقف عند ذلك أيضاً فلقد مر بنا عند عرض عدد سكان الشارقة قبل عام 1906م أنه بلغ كامل تعدداهم 2822 (ألفان وثمانمئة واثنان وعشرون نسمة) بكل قراها وإذا نظرنا إلى تعداد عام 1953 المذكور والبالغ عشرة آلاف نسمة يعني أن الزيادة السنوية تقريباً 1500 نسمة سنوياً أي في عام 1907 عند من ذهب إلى أن المدرسة التيمية أنشئت في هذا العام يكون عدد سكان الشارقة 4322 نسمة موزعين على المدينة والقرى والرجال والنساء والكبار والأطفال من هم في قوة العمل ومن هم في سن الدراسة.


