شعبيات

الرياح ..بوصلة الحل والترحال

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

تُعتبر الرياح لدى سكان السواحل على وجه التحديد علماً قديماً انتقل إليهم بالمدونات والخبرات، لارتباطها بأسباب السفر والرحلات البحرية، وتداول البحارة كتباً نقلت إليهم معارف عن طبيعة الرياح والسواحل والصخور المرجانية وبعض معالم اليابسة، وللنجوم دور كبير في تحديد تلك التضاريس.

ولمنطقة الخليج العربي ظواهر طبيعية خاصة قرأها الأهالي قديماً واستعدوا لها، الرياح المحلية أحد تلك الظواهر التي كانت محركاً أساسياً في حركة الملاحة، ومعرفة حالة الطقس والاستعداد لرحلات الصيد أو الأسفار الطويلة. وتميز الرياح التي تهب طوال العام فصول السنة، فالشتاء يُعرف برياح ثمانين الشتاء، والتي تهب في أوج البرد وانخفاض درجات الحرارة، وهبوبها يُصادف العشرة الثامنة من دخول الشتاء، وهي أكثر أنواع الرياح تأثيراً رياح ثمانين الشتاء، وقديماً كانت التي تلحق الأضرار بالسفن المسافرة وتؤدي إلى غرقها.وتكون أكثر إضراراً إذا هبت عند «الحمل»، أي أقصى درجة في المد البحر.

وكانت تصل حينها إلى البيوت، وفي بعض الأحيان يقول الأهالي إن ضربة الثمانين «كسيرة» فذلك يعني هبوبها عند انحسار المد وتكون أخف عنها عند أقصاه، وسُميت عند البعض بأم عبيد، وعادةً ما يبدأ هبوبها عند الفجر، يسبقه هدوء البحر.

كما أن الشتاء يشهد هبوب رياح شمالية غربية حيث أغلب الرياح التي تهب على المنطقة يكون مصدرها الغرب، وقد تكون رياح الغربي هي أكثر أنواع الرياح هبوباً على مدار العام.

ورياح الشمال عموماً، تُميز فصل الشتاء، يسبقها هبوب رياح السهيلي، بثلاثة إلى أربعة أيام، ويثور البحر على إثرها، وقد تستمر لفترة تتجاوز الأسبوع.

إلى جانب الرياح المتعارف عليها على مدار العام، تهب رياح موسمية في الفترة من العشرة الأخيرة من يناير إلى نهاية فبراير من كل عام، وهي رياح «النعشي»، والمُسماة نسبة إلى نجم نعش، والتي عادةً ما تهب خلال الفترة المسائية باتجاه شمالي شرقي، وتسبب ارتفاع موج البحر.

ويورد كتاب «رجال الغوص واللؤلؤ» للباحث الإماراتي جمعة بن ثالث في فصل الرياح والملاحة البحرية، تعريفاً لعدد من الرياح المحلية، مثل المزر، والتي تعمل على تجميع السحب، وهي مزيج من عدة أنواع من الرياح تهب من اتجاهات مختلفة، مثل الشمال والسهيلي «نسبة إلى نجم سهيل» أو رياح المطلعي أو الكوس، وتستمر لفترات قصيرة يعقبها عادةً سقوط الأمطار، ويذكر رياح الغربي، ويصفها بالرياح المعتدلة التي تهب من اتجاه الغرب، ويبدأ موسمها بعد انتهاء فصل الشتاء وتُسمى بالغرابي.

عند دخول الصيف «الربيع» بالحساب المحلي، يبدأ هبوب رياح الغربي بأنواعها، وتمتد حتى شهري مايو ويونيو من كل عام، وقد كانت قديماً تُلحق الأضرار بالسفن لشدتها، ماتتسبب في إغراق بعضها، أو تعطيل سيرها، ما يُضطر النوخذه إلى البحث عن بندر «مرسى» قريب حتى تهدأ الريح، وكانت شدتها تؤدي إلى تلف أدوات الصيد أحياناً.

بعد دخول «القيظ»، فصل الصيف، تتسم الرياح بالهدوء النسبي، وذلك خلال الفترة الممتدة من يوليو إلى سبتمبر، التي يغيب خلالها نجم سهيل، وتكون حينها حالة البحر هادئة، والجو مناسباً للصيد والسباحة.

ولهبوب رياح الشمال في القيظ تفسير آخر لدى الأهالي قديماً، حيث كانت تُنبئ بارتفاع نسبة الأمطار في اصفري «الخريف»، وفي القيظ كذلك تهب رياح تعمل على تجميع السحب المسماة بـ «الرايحه».

والتي تتكون خلال فترة وجيزة، وتعمل على سقوط الأمطار التي عادةً لا تصل للأرض بسبب تبخرها في الجو نتيجة ارتفاع درجات الحرارة خلال القيظ، وذلك تفسير واضح لسقوط الأمطار على بعض المناطق الشرقية مثل وادي سيجي والروضة وشوكة، حيث تُعد مناطق التقاء التيارات الهوائية، ومن أشد تلك الرياح المسماة بالنكبا، والتي تؤدي إلى جريان الأودية بغزارة.

إلى جانب الرياح المحلية والموسمية، يذكر كتاب رجال الغوص واللؤلؤ رياح الطوفان، والتي كانت تصادف البحارة أثناء رحلاتهم الطويلة، ويُستدل عليها عبر علامات عدة، أهمها الجو المغبر براً وبحراً، البرق والغيوم الركامية، وهالة قاتمة اللون على قرص الشمس أو القمر، تساقط الأمطار وارتفاع درجة حرارة ماء البحر، وظهور سراطين البحر على الشاطئ، ويورد الكتاب أشهرها طوفان الدوماني والأحيمر والأربعين والتسعين، وكل منها تضرب في وقت معين من السنة.

اليوم الرياح لا تزال عاملاً أساسياً يوجه بوصلة الحركة الملاحية، ولعل دخول أجهزة الاستشعار المتطورة نحى خبرات الأجداد جانباً بالرغم من استمرار البعض باتباعها في تفسير الظواهر الطبيعية، ولعل آخرها حركة الرياح المغبرة والأمطار التي صاحبت غياب نجم الثريا أواخر إبريل.

ولا تزال تلك الخبرات تستخدم في اختيار الأوقات الملائمة لتنظيم السباقات البحرية للقوارب الشراعية، حيث اختيار الوقت والموسم أمر أساسي لنجاح تلك السباقات.

أمل الفلاسي

Email