تقوم على فن التركيب المتوازن للمكونات

العطور والبخور.. صناعة تنعش الأسر المنتجة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

صناعة العطر من الفنون التي لا يمكن احترافها بسهولة، فهي تحتاج لدقة في الموازين وخبرة في تمييز الروائح واختيار أفضلها، وقد تكون صناعة العطور واحدة من الصناعات المميزة في العالم نظراً لدقة مقاديرها، لأن اختلاف الموازين فيها قد يفضي إلى ضياع الرائحة.

وكما اهتم الفرنسيون بصناعة العطور وأصبحوا رواداً فيها، كذلك كان الإماراتيون الذين اهتموا كثيرا بهذا المجال وتناقلوه فيما بينهم، خاصة وأن العطور والبخور أو «الدخون» أصبحت واحدة من الأساسيات في حياة عموم أبناء هذا البلد، ولذلك نجدهم حريصين على اقتناء العطور وأنواع البخور المميزة في بيوتهم، لأنها جزء من زينتهم اليومية.والمتابع لمنتجات العطور في الإمارات يكتشف أنها تحولت إلى صناعة محلية تعتمد عليها الكثير من الأسر المنتجة، ويهتم بها العديد من الشباب والفتيات ممن يفضلون تركيب عطورهم بأنفسهم.

ونظرا لاهتمام الكثير من الأسر بهذه الصناعة «الثمينة» فقد ارتأينا تسليط الضوء عليها من خلال بعض العاملين فيها، تقول أم سعيد التي تحترف صناعة العطور منذ سنوات عديدة: «أعمل في العطور والدخون منذ 18 عاما.وقد تعلمتها من أم زوجي التي كانت تواظب على خلط العطور وصناعة الدخون، واحترافي لها ليس لأنني أحبها وإنما لأنها تشكل مصدر دخل مهم لأسرتي».وتضيف: «بدايتي في خلط العطور كانت في منتجات «البدي شوب» الخاصة بالجسم، حينها لم تكن هذه الكريمات موجودة لدينا في الإمارات وإنما كنا نحضرها من العاصمة البريطانية لندن، ومع مرور الوقت والتجربة تمكنت من ابتكار روائح طيبة جداً، وهو ما شجعني على البدء في تركيب العطور العربية مع الفرنسية».

إضافة إلى العطور، فقد احترفت أم سعيد صناعة العود والدخون والتي تختلف في صناعتها عن العطور علما بأن لكل واحدة منها طريقتها الخاصة.

وحول ذلك تقول أم سعيد: «صناعة العود تختلف كليا عن الدخون، فنحن نأخذ قطع العود الجافة ونضيف إليها العطر الذي نرغبه سواء كان عربيا أو فرنسيا أو الاثنان معا، علما بأنه يجب ألا تقل كمية العود عن الكيلو غرام.

كما يجب أن تكون الكميات موزونة للحصول على مركب جيد» وتذكر أم سعيد بأن جودة العود تلعب دورا مهما في هذه العملية، فكلما كانت قطع العود أجود وأغلى كلما كانت النتائج أفضل.

تخزين العود والدخون

وتشير أم سعيد التي تحرص على تجربة العود قبل تسويقه، بأنه كلما زادت مدة تخزين العود في البيت كلما ارتفعت جودته وثمنه، وأن أقل فترة لتخزين العود هي ستة أشهر حيث يسمى بعود معطر.

وإذا تعدى التخزين هذه الفترة يكون أفضل لأن خشب العود يكون قد امتص كميات اكبر من العطر وبالتالي يكون ثمنه أعلى ويسمى عود معتق.

أما الدخون فأساسه هو العود المسحوق، وتقول فيه أم سعيد: «صناعة الدخون تختلف عن العود، حيث يتم إضافة المسك والسكر والعطر ودهن الورد أو ماء الورد، ويجب أن تكون الكميات أو المقادير موزونة بشكل دقيق للحصول على دخون جيد.

واستخدامنا للسكر يكون بكميات قليلة ومحسوبة وذلك حتى يكون هناك تماسك في المكونات، علما بأن كثرة السكر قد تؤدي إلى إتلاف الخلطة، وبعد الانتهاء من العجينة أقوم بتجربتها حتى اعرف مدى جودتها».

وتشير أم سعيد إلى أن التخزين لا يؤثر في ثمن الدخون إنما يزيد من طيب رائحته، وتؤكد بأن صعوبة هذه المهنة تكمن في إنها تحتاج إلى ضبط الموازين بشكل جيد، كما إنها تحتاج إلى ذوق في اختيار العطور التي يتم خلطها وقدرة على تمييز الروائح.

لم يقتصر تصنيع العطور عند أم سعيد فقط، وإنما انتقلت هذه الهواية إلى ولدها سعيد الذي يبلغ 13 عاما، حيث تعلم من والدته سر المهنة وأصبح خبيرا فيها، وقد تمكن في سن العاشرة من تكوين عطر حمل اسمه.

المسك ودهن العود

من جانبه قال قيس آل هرهره، أحد أصحاب شركة متخصصة في بيع العود ودهن العود والعطور العربية: «نحاول في عملنا التركيز على الروائح القديمة مثل المسك ودهن العود والورد الطائفي.

وذلك حتى نتميز عن العطور الفرنسية»، ويضيف: «الصعوبة في تركيب العطور إنها لا تقتصر فقط على ضبط الكميات خاصة عندما تكون كميات كبيرة، إنما تكمن في احتساب كمية تركيز العطر بالنسبة للكحول والتي تلعب دورا مهما في قوة العطر.

إضافة إلى ضرورة معرفة مدى قوة رائحة العطر»، ويواصل: «لصناعة العطور حسابات خاصة جدا حتى تتمكن من تكوين عطر بمستوى جيد، وهي عملية مضنية لأنها تتطلب إجراء تجارب عديدة للتوصل إلى خلطة معينة ومعرفة جيدة بالكميات لضمان الحصول على ذات الرائحة عند التصنيع بكميات كبيرة».

في المقابل، يشير قيس الذي يعمل على تدعيم خبرته بالقراءة الدائمة عن عمليات التقطير واستخراج الزيوت الطبيعية، وهو ما مكنه من اكتساب خبرة في هذا المجال مستفيدا منها في تجارته بالعطور.

إلى أن عملية خلط العطور وتصنيع الدخون لها لا تختلف من حيث درجة صعوبتها فكلاهما يحتاجان إلى ضبط الكمية بدقة خاصة عندما تكون كميات كبيرة، كما أشار إلى أن منتجات شركته لا تعتمد على المواطنين فقط وإنما تتسع لتشمل العرب أيضا.

ويقول أن الأجانب يشترون من هذه الزيوت للاحتفاظ بها كذكرى، وأكثر ما يقتنونه هو روائح الأزهار ويبتعدون عن الروائح المركزة والقوية.

تجارب فتية

في جولتنا التقينا بمريم سالم وزينب علي اللاتي يفضلن استغلال إجازتهن الدراسية في بيع العطور والدخون وحول تجربتهن قلن للبيان: «نعمل في هذا المجال منذ ستة أشهر تقريبا.

واختيارنا لها لأنها تعتبر من المجالات السهلة فالعطور والدخون يتمتعان بمكانة عالية لدى السكان الذين يهتمون بها كثيرا خاصة في فصل الصيف حيث تكون درجة الحرارة عالية، إضافة إلى ذلك فهي صناعة تنضوي على الكثير من الابتكار والفن، فبين الفينة والأخرى نجد عطورا جديدة، وهو ما يجعلها صناعة متجددة والعمل فيها غير ممل».

رغم قصر فترة عملهن في بيع العطور إلا أنه أصبح لدى مريم وزينب فكرة جيدة عن طرق خلط العطور وصناعة الدخون، ويحاولن استغلال أوقات فراغهن في تركيب العطور، والتعرف على خبايا هذه الصناعة.

وحول ذلك قالت مريم وزينب: «نحاول دائما أن نتعرف من خلال صاحبة هذه المنتجات على طبيعة المواد التي تتكون منها العطور التي نبيعها إلى الزبائن، وذلك حتى نكون على دراية كاملة فيها».

وأشرن إلى أن فئة الشباب هي الأكثر إقبالا على شراء العطور والكريمات، أما الدخون فإلى جانب سكان الإمارات، هناك إقبال عالي من العرب الذين يحتفظون بالدخون في بيوتهم لأنها تشيع فيها رائحة طيبة.

وتشير الفتاتان إلى أن الدخون والعطور المحلية ما زالت تحظى بمكانة خاصة ومميزة في الأعراس الخليجية، حيث يهتم أصحاب المناسبة بتقديم الدخون والعطور إلى الضيوف وهو تقليد متوارث دلالة على الحفاوة والاحترام والتقدير.

علم

التفوق العربي بالكيمياء والنبات ساهم بتطور صناعة العطور

تعتبر العُطارَة من الفنون العربية الأصيلة التي ارتبطت بتاريخ الجزيرة العربية وزدات أهميته بمجيء الإسلام، حيث ساهم التفوق العربي بالكيمياء وعلم النبات في تطوير صناعة العطور وانتشارها في العالم الإسلامي.

ومنذ القدم عُرف جنوب الجزيرة العربية بامتلاكه لأشجار المرّ واللبان الذي ينبت في منطقة الشّحر «صلاله»، وبفضلها سماها مؤرخو اليونان القدماء «العربية السعيدة».

ومنذ القدم هيمن العرب على طرق التجارة البحرية والبرية، حيث كانت سفنهم تغادر موانئ عدن ومخا ـ أقدم موانئ المنطقة ـ باتجاه الهند لإحضار البهارات والعطورات والأعشاب الطبية القادمة من جزر في الشرق الأقصى.

ثم تعود أدراجها للقاء القوافل العربية التي تُحَمَّل بالبضائع المستوردة وبالبخور العربي لتنقله براً لميناء غزة ومنه لبلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، حيث ساد الاعتقاد بأن جنوب الجزيرة العربية مصدر تلك البهارات والأعشاب.

وتقديرا لأهمية العطر التجارية سمى العرب العير التي تحمل الطيب «لطيمة»، وسلكوا في تجارته طرقا مختلفة سميت بطريق البخور الذي تقدر مسافته الاجمالية ب 2560 كم، تطوى في 66 يوما.

تشجيع

ربع الراتب

يعمل قيس في خلط العطور منذ 10 سنوات، وحول بداية هذه الهواية يقول: بدأت هوايتي في خلط العطور قبل عشر سنوات تقريبا، حيث كنت أهتم كثيرا باقتناء الروائح المميزة التي كنت أنفق عليها ما يقارب ربع راتبي.

وخلال ذلك كنت أحاول خلط العطور للاستخدام الشخصي، وكنت أحصل على روائح مميزة، وهو ما لفت نظر أصدقائي الذين أخذوا يطلبون مني تركيب العطور لهم وقد شجعوني على دخول مجال تصنيع العطور والتجارة فيها.

وتمكنت خلال السنوات الماضية من التعرف إلى عدة أشخاص يمتلكون خبرة عالية في العود ودهن العود ومن خلالهم أصبحت اعرف كيف أميز العود الجيد خاصة وان سعر كيلو العود مرتفع جدا.

غسان خروب

Email