أكدت دراسات علمية حديثة أن هناك علاقة وثيقة الصلة بين ما يشاهده الطفل العربي من رسوم متحركة وما يرتكبه من سلوكيات عدوانية تتسم بالعنف حيال الآخرين، حيث تعمل هذه البرامج الموجهة على صياغة شخصية ونفسية الطفل بصورة تتنافى مع قيم وتقاليد المجتمعات العربية والإسلامية كما تعزز لدى الأطفال قيم الذاتية وحب النفس وهي بلا شك قيم تتعارض مع تعاليم الدين الحنيف.

وعوضاً عن القادة الفاتحين والأئمة العظماء قام الأطفال بإحلال الأبطال الوهميين كسوبرمان والرجل الوطواط فضاعت لديهم القدوة الحسنة، وفي ظل غياب الرقابة الأسرية وعدم إدراكها لخطورة ما يشاهده الطفل من برامج مستوردة لديهم من الآخر فإنه لا يشاهد عروضا مسلية فحسب بل يشاهد عرضاً ينقل له نسقاً ثقافياً متكاملاً مخالفا لتعاليم الدين.

ولأن الرسوم المتحركة التي تشكل النسبة الأعلى لما يشاهده الأطفال تحظى بنسبة تفاعل عالية مع مادتها وحرص على متابعتها وتقليد أبطالها الأسطوريين فإن هناك حاجة إلى تشجيع المنتج المحلي الذي يراعي خصوصية المجتمعات العربية الإسلامية والبحث عن شخصيات كرتونية من التراث العربي القديم تعبر عن ثوابتنا وقيمنا وتقاليدنا.إدريس ملكاوي الاختصاصي الاجتماعي أكد أن الرسوم المتحركة التي يتابعها أطفالنا هي مادة صنعت وصممت في مجتمعات أخرى .

وبالتالي فإن تركيزها سيكون على قيم تلك المجتمعات التي لا تثير مضامينها أي استغراب لديهم، مشيرا إلى أن الخطورة في هذه الرسوم تقدم للطفل العربي بصورة مشوقة وبألوان وأشكال جاذبة تشد الأطفال إليها ويكون تأثيرها قوي جداً يفوق تأثير المدرسة والمنزل.

وطالب أيضاً بتقديم بدائل تربوية أخرى مثل إلحاق الطفل بمراكز لتحفيظ القرآن ولممارسة الهوايات كالقراءة والرياضة لإبقاء الطفل في أجواء مغايرة غير الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز .

وقال إن البديل يجب أن تتبناه مؤسسات عربية لا أفراد كي تنجح في تقديم البدائل الإسلامية القادرة على المنافسة، والتعاون على ذلك والتنسيق بين الحكومات العربية لتتخذ هذه البرامج صفة الديمومة لأنه لا يمكن لنا منافسة المطروح إلا بوجود مؤسسات متخصصة لديها القدرة على إنتاج الأفلام الكرتونية لتكون البديل لما يشاهده الطفل حاليا بما يتناسب مع قيمنا لتصبح برامج الأطفال وسيلة لتغذية عقولهم بالثقافة المتنوعة واللغة السليمة وفتح آفاق متنوعة لتكوين صورة ذهنية واقية عن العالم المحيط.

عوالم جديدة

واستعرضت هدى مهتار الاختصاصية التربوية في وزارة التربية الفوائد التي يجنيها الطفل من مشاهدة الأفلام الكرتونية حيث تنمي من وجهة نظرها خيال الطفل من خلال نقله إلى عوالم جديدة.

وتزويده بمعلومات علمية وتثقيفية متنوعة بأسلوب سهلٍ جذاب ومشوق، الأمر الذي يكسب الطفل معارف متقدمة في مرحلة سنية مبكرة، كما أن بعض القنوات الخاصة بالأطفال كسبيس تون تقدم للطفل البرامج بلغة عربية فصيحة تساهم في تجويد اللغة وإعطاء الطفل مخزوناً هائلاً من المصطلحات باعتبار أن اللغة الأم هي أداة النمو المعرفي الأولى.

مشيرة في السياق ذاته أن البرامج التي يتابعها الأطفال يجب أن تخضع لرقابة أسرية فليس كل منتج يصلح أن يشاهده الأطفال فبعض الرسوم المتحركة توفر جرعة هائلة من عنصري الإثارة والتشويق لتصبح مشاهد العنف المفضلة لديهم .

ويأخذون بتقليدها شيئاً فشيئاً مما يفسر إقدام بعضهم على القيام بممارسات عنيفة مارسها أبطالهم المفضلين في المسلسلات الكرتونية كالرجل الخارق.ونبهت إلى ضرورة تحديد الأوقات المناسبة لمشاهدة التلفاز مع الإشراف المباشر من قبل الوالدين دون إطلاق العنان للأطفال في الاختيار ومحاولة البحث عن بدائل مناسبة.

محمود جمال طالب في الصف السابع يرى أن الرسوم المتحركة كبوباي وكونان وأبطال الديجيتال من أفضل البرامج التي يحب مشاهدتها، مشيرا إلى انه يقضي حوالي 4 ساعات أمام شاشة التلفاز.وترى شقيقته فرح أن فله وباربي وعالم ميكي ماوس الأجمل على الإطلاق، مؤكدة أنها لم تشاهد أي برنامج كرتوني عربي الإنتاج وإنها تقضي عطلتها الصيفية في متابعة الرسوم المتحركة خاصة في ظل وجود قنوات فضائية متخصصة.

أسماء يوسف والدة طفل في الخامسة من عمره أكدت أن أكثر ما يشد انتباه ابنها هي مغامرات توم وجيري، مبدية في السياق ذاته تخوفا شديدا من تقليده لحركاتهم خاصة تلك المتعلقة بوقوعهم من الأماكن العالية أو حتى التدخين وإيذاء بعضهم لبعض بقالب كوميدي مضحك.

وقالت إنها تعمد إلى شغل طفلها بالتلفاز ليتسنى لها متابعة أعمالها المنزلية دون أن تتنبه لما يشاهده أو لخطورة ما يقتبسه من المسلسلات الكرتونية المعروضة، مضيفة أن على وزارات الإعلام العربية أن تنتقي ما يعرض وتحجب كل ما من شانه بث السلبيات في نفوس الصغار.

محاكاة الخيال

أكدت فاطمة السجواني الاختصاصية النفسية أن الطفل بطبيعة الحال تجذب انتباهه الأشياء التي تحاكي الخيال وبالتالي يتعلق بها أكثر من الواقع الملموس فيقلد الشخصية الكرتونية بكل الحركات والإيماءات وهنا نجد كثيرون يتوحدون مع هذه الشخصيات ولا تصبح لديهم القدرة على التفريق بين الواقع والخيال.

مشيرة إلى أن علماء الاجتماع اكتشفوا التأثير الكبير الذي تلعبه الرسوم الكرتونية المتحركة على ذات الطفل باعتبارها الأقرب إلى نضجه العقلي فاتخذوها وسيلة لصياغة سلوك الطفل وغرس القيم المرغوبة فيه فهو يقلد الحركات والأصوات والسلوكيات بصورة تلقائية.

وشددت على ضرورة انتقاء المادة التي يشاهدها الطفل لأنها تعلمه السلوكيات وبعضها يكون بالغ الخطورة وكثيرة هي القصص التي سمعناها عن أطفال قلدوا سوبر مان وسقطوا من أماكن مرتفعة ، كما دعت إلى اختيار رسوم تكون أكثر قربا من قيمنا وواقعنا وأن تكون اللغة المستخدمة راقية لأن الأطفال يقتبسون كلامهم من الرسوم.

نورا الأمير