يتحمل الوالدان عبئاً كبيراً عند تربية الأبناء وتقع على عاتقهما المسؤولية العظيمة الكفيلة بتخريج أجيال فاعلة اجتماعياً تضيف إلى الحياة لا أن تكون خصماً عليها، وتختلف شخصيات الأبناء باختلاف طرق تربيتهم، فالأبناء الذين تربوا على الصراحة والحب والتعاطف دفعهم ذلك أن تكون لهم شخصيات ذات قيم خلاقة ومبدعة، أما الذين تربوا على العنف أو الدلال فشخصياتهم عدوانية وإتكالية كثيرة المشاكل، وهذه الفئة تتوجه إلى المجتمع لهدمه لا لبنائه.

التقينا شرائح مختلفة من الناس لنقف على بعض جوانب هذا الموضوع...

بداية تؤكد أمل بطي أن اللين والكلمة الطيبة هما الأسلوب الذي يجب أن يتبعه الوالدان لتربية الأبناء، لأن هذه الطريقة تبني فيهم روح الشخصية القوية ويمتلكون من خلالها مهارات التواصل، وهذا لا يعني الإفراط الذي يؤدي إلى عدم إحساس الأبناء بالمسؤولية فيتصرفون بطريقة لا يخشون فيها أحد وهذا ما يدفعهم إلى ارتكاب أعمال تمس المجتمع.

وتقول: «يجب استخدام تقنيات وأساليب تتوافق مع كل سن، فالطفل الذي يرتكب خطأ ما يجب أن يحاسب على الأقل بنظرة غضب من أحد الوالدين على العمل الذي ارتكبه حتى لا يكرره، واقترح عمل دورات تثقيفية للوالدين لوضع خطط في تربية أبنائهم وكيفية التعامل معهم».

ويرى راشد محمد ضرورة التواصل بين الآباء والأبناء حتى لا تختفي العلاقة التي تربط بينهم للعمل على حل مشاكل الأبناء ومناقشتها بصوت عالٍ وليس بالصراخ عليهم أو بتأنيبهم فهذا يدفعهم إلى إخفاء الأمور عن الوالدين وعدم مصارحتهما بحقيقة الأمور.

ويتحدث عن علاقته الخاصة بأبنائه فيقول:« وأنا أعامل أبنائي كأخوة لي ووضعت لهم ضوابط إذا تعدّوها يكون هناك عدة عقوبات عليهم أن ينفذوها، ومن هذه الضوابط على سبيل المثال عدم الإسراف في الكهرباء أو الماء والحرص على استخدام ما نحتاج إليه دون زيادة أو هدر».

وتؤكد مريم النعيمي أن العنف في تربية الأبناء يعد اختياراً فاشلاً وكذلك اللين المفرط أيضاً، ولكن استخدام أسلوب الحزم مع الحب والحنان هو الاختيار الأنسب، فوضع الضوابط والخطوط الحمراء متمثلةً في الالتزام بالأوامر الدينية مثل الصلاة والصيام كذلك القيم الحسنة مثل التعاون واحترام الوالدين والصدق تجعل الأبناء ملتزمين بها.

ولكن في حال عدم التزامهم يجب تأديبهم وليس عقابهم لأن كلمة عقاب -كما تقول- يجب أن تستخدم في السجون والمحاكم وليس في تربية الأبناء، وفي حال اتخذ القرار في التأديب من الأفضل أن يكون بدون ظلم أو انتهاك للمشاعر حتى يقتنع الأبناء ويقرون بأخطائهم وأن لا يقعوا فيها مرة أخرى، وتنصح الآباء أن يتخذوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم- قدوة لهم في تعاملهم مع أبنائهم فقد كان عليه الصلاة والسلام محباً وحنوناً ويهتم بشؤون الجميع بمن فيهم أبناؤه.

حديث الأبناء

أحمد زهير -طالب جامعي يقدم نموذجاً ناصعاً للأسرة الناضجة فيقول: «أسرتي اهتمت بتربيتي وإرشادي ليكون لي الدور الفعّال في المجتمع إيماناً منهم بأن التربية الصالحة تجعل من الأبناء جيل المستقبل الواعد، فوالدي كان خير أخ لي حيث يساعدني على حل مشاكلي واختيار أفضل الحلول لها، ووالدتي تملأ عليّ حياتي بدعواتها الخالصة حتى أنجح في عملي فهو سرّ تفوقي وتميزي.

ولكن الأسر تختلف في تربيتها وتتفاوت في المعاملة مع أبنائها وذلك حسب البيئة التي تربى فيها الوالدان فالكثير من الشباب نراهم إما اتكاليون أو عدوانيون بسبب الإفراط أو الحرمان وهو ما يدفع بأصدقائهم أن يكونوا بنفس طبيعتهم».

وتتذكر إيمان أحمد طالبة- جامعية طفولتها ونشأتها ومدى حرص أهلها عليها فتقول: «عندما كنت صغيرة كان أبي متشدداً في بعض المجالات، حيث لم يكن يسمح لي بزيارة صديقاتي في منازلهن أو المشاركة في البرامج التطوعية، واستمر الوضع إلى المرحلة الثانوية وذلك نابع من خوفه وحرصه عليّ، ولكن

الآن وأنا في الجامعة أصبح يسمح لي بزيارة صديقاتي وبالمشاركات المختلفة، ولكن دائماً ما يقول: خففي الجرعة».

وتشاركها الحال مريم إبراهيم- طالبة جامعية حيث تقول: «كان أهلي شديدين في تعاملهم، وخاصة فيما يتعلق بزيارة صديقاتي حيث لم يكن يسمح لي بذلك إلا بصعوبة وإذا سمحوا لي فيجب أن يكون هناك مرافق معي، وكذلك قيادتي للسيارة حيث كنت أول من قاد في منزلنا وكان هناك رفض شديد لذلك، ولكن بعد أن أصبحت ناضجة أصبحت أناقش مع أهلي آراءهم وقراراتهم وكثيرا ما نخرج بنقاط اتفاق بيننا».

فن التواصل

1ـ لا تتدخل في نوعية أصدقاء ابنك إلا إذا كنت تعرفهم معرفة تامة وعليك أن تجد البديل لهؤلاء الأصدقاء.

2ـ استخدم القصة والرواية في الحوار لتجمع بين العقل والقلب.

3ـ استمع لأبنائك حتى لو كنت مشغولاً.

4ـ لا تصدر أحكاما سريعة على تصرفات ابنك.

5ـ لا تفرق في المعاملة بين الذكر والأنثى.

6ـ لا تطبق سياسة اسمع ونفذ.

7ـ اترك أبناءك في عزلتهم.

نقطة ضوء

تسلط فاطمة سجواني- اختصاصية نفسية الضوء على مشكلة تربوية أخرى بقولها:«التنشئة الاجتماعية هي المحكّ الأساسي، فالتذبذب في أسلوب التربية ما بين العنف واللين تجعل من الأبناء متشتتين وغير قادرين على معرفة أسلوب تعامل الوالدين معهم، فالتربية يجب أن تكون ككفتي الميزان كفّ للتعزيز وكفّ للعقاب ويجب أن يعادل بينهما حتى لا يطغى واحد على الآخر، كذلك يجب على الوالدين التنبه إلى نقطة رئيسية .

وهي أن المكافأة ليس بالضرورة أن تكون مادية وإنما بالخروج إلى المكان الذي يفضله الابن كذلك بتقديم غرض قد حرم منه لتأديبه، أما بالنسبة لأساليب العقاب فيجب على الوالدين أولاً إفهام الابن الخطأ الذي ارتكبه وبعد ذلك معاقبته بحرمانه من مشاهدة برنامجه المفضل أو لعبته المفضلة».

اعتقادات خاطئة

عيسى المسكري الخبير في الاستشارات الأسرية يبدي أسفه البالغ على تعامل بعض الأسر مع أبنائها ويقول: «للأسف الشديد إن هناك الكثير من المعتقدات الخاطئة لدى الوالدين في تربية الأبناء، فمنهم من يعتقد أن إغداق الأبناء بالأموال الطائلة هي التربية الصحيحة وهم بذلك يزرعون فيهم حب الإتكالية وعدم تحمل المسؤولية، ومنهم يظن بأن عدم إيقاظ الأبناء لصلاة الفجر إنما هو بدافع الرحمة والحب ولكن لا يعلمون أن الصلاة تنمي فيهم تعظيم الله والتحدي والعزيمة».

ويضيف: «وفي استخدام العنف مرّت عليّ حالة غريبة من الكبت عند طالب لا يتجاوز عمره 22 عاماً وحُرِم من الخروج مع الأصدقاء أو أي مكان يفضله وحتى إذا خرج دفع أهله لأي فرد من الأسرة لمتابعته أينما ذهب ومع من تحدث، وإذا تأخر في الرجوع إلى المنزل تغلق عنه جميع أبواب المنزل حتى لا يستطيع الدخول وأدى هذا إلى خوفه الزائد وهروبه من الجامعة بشكل مستمر فالخطورة هنا زادت، فالوالدان في هذه الحالة كان يجب عليهم إعطاؤه مساحة من الحرية .

وأن يتعاملوا معه كأنهم إخوة ويستمعون إلى مشاكله ويساهموا في تقديم أفضل الحلول لها لأنه في هذه السن تتكون شخصيته وتتولد قيمه، فالوسطية في تربية الأبناء بحيث لا إفراط في الحرمان ولا تفريط بالعطاء هي الحل الوحيد للتربية السليمة».

روضة السويدي