نجم الكتابة

لقـاح الإيجابية ضد الجائحة

ت + ت - الحجم الطبيعي

نُجاهِدُ الحياة في روتين مستمر، نبتلعُ أحداثها رُغم الغصة التي تعترينا في المنتصف.. بالكاد ندفعُ بأجسادنا لتستمر بالحراك، بالكاد نتقبلُ ظروفنا.. نجاهد في معركتنا مع الحياة لنكون شيئاً غير زائد على الكرة الأرضية، أو نلاحقُ أفكارنا السلبية ونفسر مجريات الأمور بعين ضيقة فيسودَ عقلنا الظلام وتقتحم أرواحنا السلبية.

تلك هي أطباعنا نحن البشر، فوصف الله طبائع الإنسان في القرآن وبأكثر من سورة، ومنها قوله تعالى: {وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا} سورة الإسراء، آية (٨٣).

أي أن من طبع الإنسان القنوط، أي اليأس وقلة الصبر عند المصائب أو الشدة، كما حبانا وميزنا الله عن سائر خلقه بالكثير من الصفات وأكرمنا بعقل يفكر، يحلل ويفسر، وبإيمان ينبض بقلوبنا يشدُ عضد العقل عند اكتساح أفكارنا الضعيفة فتفقدنا صبرنا نحو الشدائد.

نعلم جيداً كم طال بنا الوباء وأهلكتنا صراعاتنا مع الجائحة وكم مسنا منها بؤسٌ وانقطع الأمل عندنا في الكثير من الأحيان، نعلم بأن الحياة معه تغيرت وصعبت علينا أيامنا وكما استسلمنا في مراتٍ أخرى لليأس، طال بنا الطريق منذ سنتين وأكثر ومللنا تكرار الوضع والأحداث، في حين كنا نأخذ به شهيقاً عميقاً لنتنفس الحياة بدهشة جديدة وربيع من الأمل فيُقطعُ نفسنا بعودة الحال وارتفاع الأرقام، مللنا النظر إلى الأخبار استثقلناها على آذاننا واجتاح الخوف قلوبنا من جديد وساد الوهم من حولنا والوساوس، عُلقت حياتنا مرات عدة وتعرقلت خطواتنا وتباعدت المسافات عن أحبائنا.

لكن كما قال مصطفى كامل: «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس»، لا حياة مع اليأس النقيضين اللذين يجب أن لا يجتمعان معاً مهما عصفت بنا شدائد الحياة، لأن الحياة مستمرة مهما شلت حركتها معركة النجاة، تستمر مهما أُلقيت في طريقنا المحن، فاليأس لا يُحملنا إلا ما هو فوق طاقتنا وبعيداً عن إيماننا بأن جُل أمورنا خير.

لنتوقف قليلاً عن الشكوى وزج السلبية في صراعنا مع الجائحة، لنتوقف وننظر للخلف لقد مضى الكثير وبقي القليل وعبرنا معاً طريقاً طويلاً مرهقاً نحو النجاة، كنا على صراعٍ مع مجهول لم نعرف حتى ماهيته ومدى خطورته، لكننا تصدينا له واليوم بحوزتنا علاجه وطرق الوقاية منه، لنتوقف قليلاً عن الشكوى ودثر السلبية ولنكن ممتنين للعلم الذي وصلنا إليه ،وللتكنولوجيا التي صنعتها عقولنا فسهلت علينا الحياة وسرعت علينا الأمور، في حين من سبقونا قديماً لم يمتلكوا ما نملكه الآن، وحتى أيضاً الآن البعضُ من البشر لا يملك ما نملك من امتيازات، الرعاية الصحية الكاملة والعلاج المجاني، الأدوية التي تصرف بالملايين ويتم إيصالها حتى أبواب بيوتنا إذا دعت الحاجة، ناهيكم عن المتابعة المستمرة من الدولة والدروس في فن التعامل مع الأزمات والتوعية التي شملتنا جميعاً صغيرنا وكبيرنا.

فلننظر للواقع بطريقة أخرى بإيجابية أكثر، الجائحة تحتاجُ منا أيضاً لقاح الإيجابية حتى نستمر دون يأس في الحياة، لنتفكر بعقلنا ونستحضر القلب نعيش في بيوتنا آمنين نملك قوت يومنا، بدفء وبحضن عائلاتنا بصحة وعافية، ولننظر قليلاً لحال غيرنا ونسمح للرضا أن يجوب نفوسنا، ننعم بخيرات كثيرة ولا ينقصنا إلا القليل ولا نكاد نشتكي حتى يكتمل الناقص، الجائحة لا محال ستنتهي وتنقشع معها الغُمة وستبقى درساً أعطي للبشرية مخلّداً لا ينسى، علمتنا الكثير وغيرتنا للأفضل وستبقى فيها جهود كل من هم في مواجهة مباشرة معها مشكورة.

نحمد الله على حالنا، ونعم الله علينا، وعلى قيادتنا الحكيمة وجهودهم وعطائهم المستمر.

Email