جثة على قيد الحياة

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعض الرسائل لا تأتي مباشرة كما يحملها الحمام الزاجل، بل تلتوي وتدخل في منعطفات ومنحنيات، حيث تحشوها كلمات محقونة بهرمون «الغموض والتلميح» حتى لا يتم اصطيادها بسهولة. البعض يبدأ بنقش الحروف وكأنه عنترة بن شداد ولو سنحت له الفرصة لبدأ بكتابة المعلقات، وأصبحت رسالته تتبع المعلقات السبع الذي يستمر بكتابتها حتى ينقل رسالة تحمل في جعبتها إما نقداً أو تلميحاً، ولكن بطريقة تكتيكية متقمصاً أسلوب المراوغة، حيث يقوم مستخدمو هذا الأسلوب بتبديل جلودهم كما تبدل الأفاعي جلودها.

حينما تكتشف أن لديك شغفاً بدأت جذوره تنبت زهراً، يقومون بقتل ذلك الشغف ويحملون جثمانه حتى يضعونه في قائمة سميت بـ«جنازة الموهوبين»، مستخدمين كل الأساليب الخداعة من كلمات، تغريدات، حسابات وهمية، حتى يغزون ذلك السم الذي يقتل ملامح الأحلام الكبيرة، ويستمرون بذلك حتى تضمحل أطواق النجاة التي كنا نتعلق بها لكي لا نغرق، ويمحون أمامك جميع طرق النجاة حتى تشعر أنك غير قادر على إطلاق نداء النجدة. حينها تشعر أن ذلك الشغف بدأ يكتم أنفاسه الأخيرة.

لا تسمح لأي شخص أن يزيح قدراتك المخفية ويضعها على الهامش بكلمة أو بانتقاد، لأنك لو خسرت هذا الحماس في البدايات سيكون من الصعب استرجاعه في النهايات، وحينها ستعض أصابع الندم على فقدان ذلك الشغف.

كثير منا، يصاب بالإحباط عند أول عقبة تعيق دربه، فتتلاشى أجنحته حتى يشعر أنه غير قادر على التحليق في سماء طموحاته وأهدافه، وخصوصاً عندما يضع الإنسان توقعات عالية في بداية هذا السباق ولا يحسب حساب المطبات والإشارات الحمراء، فيظن أن خوض السباق سهل حتى يصطدم بعثرة توقفه عن الاستمرار في تحقيق ذلك الهدف. البعض منا يستهين بخصمه كثيراً حتى يكتشف ذلك الخصم نقطة الضعف لديه ويقلب النتيجة في ثوانٍ معدودة. حينها تشعر أن ذلك الشغف بدأ ينزف دماً لأنه قتل قبل أن يولد. الدائرة الخارجية ليست بالضرورة أن تكون كاملة بل من الممكن أن تكون بنصف قطر حينها يكون عليك حساب نصف قطر الدائرة بأسلوبك ومواجهة كل المتغيرات التي قد تعيقك عن إيجاد المجهول، اكتشاف الشغف ليس بالأمر البالغ الصعوبة، لأنه فقط يحتاج إلى خلوة ذاتية تحاور بها نفسك حتى تكتشف بها مميزاتك وتوظفها نحو المسار الصحيح إلى أن تستطيع إنعاش ذلك الشغف الذي ظل ينازع الموت في غرفة العناية المركزة.

بعض الخطوات غير الصائبة قد تصيب ذلك الشغف الذي يحتوينا بالشلل، حتى تصبح جميع أفكارنا وتوجهاتنا بلا أي هدف أو قيمة، حينها نرى أن جميع المحاولات التي قمنا بها بائسة وغير قابلة للتغيير بتاتاً. فقدان الشغف أصعب ما قد يصاب به المرء لأنه في تلك المرحلة هو لا يعلم ماذا يريد؟ إلى أن يرتدي وشاح الاكتئاب لأنه يعيش حرباً باردة. لا يستطيع الصراخ لأنه لا يعلم سببه بالأساس. أحياناً لا نعلم هل نحن فقدنا الشغف في بعض محطات حياتنا أم أخذ التبلد دور البطولة في سيناريو كتب بأيادٍ قاتلة.

Email