لا تنسَ أن تعيش

ت + ت - الحجم الطبيعي

في اللحظة التي تقف فيها على عتبة باب (الأربعين) من عمرك ويدك على مقبض الباب وجسمك يصارع الجاذبية بثقله إلى الوراء، وعيناك اللتان لم تزالا تنظران إلى ماضيك، في تلك اللحظة التي يتجادل عقلك بشدة مع قلبك ويحتد النقاش بدخول ضميرك، فيطرحون عليك أسئلةً بِتّ نادماً لبعضها وفرحاً لبعض، كم يوم مضى من عمرك ولا تزال أنت كما أنت، تتمنى وتغني أيا ليت! 

في تلك اللحظة العصيبة والتي بالحقيقة يجب أن تكون لحظة حافلةً بالكثير من الحكايات والكثير من الإنجازات، وأحلام دونتها بالتاسعة من عمرك وأصبحت حقيقةً تتلألأُ أمام ناظريك كأنك تحمل أول طفل لك. 

في اللحظة التي تطفئ شمعة ميلادك الأربعين أريدك أن تغمض عينيك حقاً ولكن لن أطلب منك أن تتمنى أمنية، فقط أود أن أسألك سؤالاً.. بحقك كم مرة عشت فيها بالمعنى الفعلي؟ كم مرة ضحكت من قلبك من دون أي معكرات لصفو اللحظة السعيدة؟ كم مرة استمتعت بوجبةٍ دسمةٍ من دون الخوف من وزنك الذي سيسحقُ الميزان؟! كم مرة أكلت الوجبة من دون أن تبرد لأنك كنت منشغلاً بالتقاط صورة لها؟.. بحقك كم مرة وضعت رأسك على مخدتك مرتاح البال من دون القلق عما ذهب وعما سيأتي مفوضاً أمرك للرحمن الرحيم؟ 

في سباقك نحو الحياة وقلقك الدائم من المستقبل ونحيبك على ماضٍ ذهب وانتهى، أرجوك: لا تنسَ أن تعيش! 

لكل لحظةٍ توقيتها الخاص ولكل مرحلةٍ دروسها وتجاربها التي لا تشابه قبلها، لا تستعجل الحياة بل اجعلها تستعجلك، بينما أنت تعيش كل يوم وتعطيه حقه، تستمتع بكل دقيقة، ترسم مستقبلاً وتخطط للإنجازات التي ستسطرها باسمك، لا تنسَ أن تعيش عمرك فخوراً بنفسك وبكل هزائمك قبل انتصاراتك، بماضيك الذي علمك وكان سبباً لما فيه أنت الآن، لا تنسَ أن تعيش بكيانك شخصاً نافعاً متسلحاً بالعلم والمعرفة، شخصاً معطاءً وبالخير مذكوراً، بصمتك الخاصة بك في كل مسألة وعمل، لا تنسَ أن تستلذ بلحظة الحب مع كل من يحق لك أن تغدقهُ حباً (والداك، أبناؤك، زوجتك/ زوجك، أصدقاؤك)، أن تحب نفسك وتحب الحياة ولا تنسَ الهدف من وجودك في الحياة، لا تنسَ أن تسعى وتجتهد للحظة التي تقف فيها مودعاً شبابك وأنت راضٍ وقائمة أمنياتك وأعمالك قد دونت عليها (تمت بنجاح) لا شيء الآن سوى الراحة والنوم على أريكة من جلد أحمل قهوتي وصحيفتي أمام تلفازٍ لا أستمعُ حتى إليه، وأحفادي المشاغبون من حولي يخططون للاستيلاء على العالم وأحدهم يخطط لأن يغزو كوكب بلوتو! 

يقول الروائي الليبي إبراهيم الكوني: «الموت ليس أن نموت ولكن الموت هو أن نفقد الأمل.. الموت هو أن نعجز عن الحلم.. الموت هو أن نجهل لماذا جئنا لا لماذا نذهب». 

عش حياتك مليئاً بالأحلام ولا تسمح لأحدٍ أن ينتزع منك هذا الحق، عش حياتك بجرعة يومية من الأمل والتفاؤل وكن أنت أملاً لأحدهم ومنارة، عشها بما يرضي الله عنك ويُرضيك، الحياة قصيرة والعمر في الحقيقة لا يمكنك أن تستأمنه في أي لحظة يرحل من دون سابق إنذار فعش سعيداً ومستعداً.

Email