لا صوت يعلو على صوت الأحبال المعلقة في أعناق جداريات الحياة، التي حملت بين أحشائها أبجديات خطت بحبر التجربة والحكمة حتى باتت أرصفة اللقاء تحضر سجلات الغياب استعداداً لوضع النقطة على آخر السطر.
تلك الجداريات شهدت على كل ما لم يكن بالحسبان فالبعض حمل بين يديه نقطة، والآخر قضى عمره باحثاً على آخر السطر.
ترى العجائب والغرائب بين أحضان تلك الجدران فمنهم من تفنن في كتابة جمل تكسوها درر مكنونة حتى أصبحت نهاية تلك الفقرة «الصامتون في الحياة يكتبون كثيراً» فهم لا يستطيعون أن يخرجوا فوهة البركان التي أصبحت شظاياها تثير غضباً من تلك الأوجاع والدروس القاسية التي سددت لهم لكمات متتالية حتى أصبحت أقلامهم تصرخ ألماً لتعبر عن ما ذاقه هؤلاء الصامتون الذين أصبحت أقلامهم هي طوق النجاة بالنسبة لهم، وكأن تلك الجداريات هي مساحة لتفريغ ذلك الغضب الذي حملته مرارة الأيام وقساوة السنين.
ولو كان لتلك الجداريات لسان لقالت لنا «سل الأيام عن تلك اللحظات العالقة في الذاكرة، فالبعض بدأ يرسم خياله وأحلامه الوردية والبعض يتفنن في لعبة القوافي والأبيات وكأنه قيس بن الملوح والآخر يكتب عبارات وحكماً كنا في السابق نضحك عندما نشاهدها ولكن هل تعلمون أين هي الآن؟! هي الآن عناوين لمسرحيات أصبحت نصوصها اقتباسات من تلك الجداريات»!
ما أعظمك أيتها الجداريات حتى أصبح حضورك سباق في كل زمان ومكان. كانوا يقولون لنا إن الجدران لا تنطق ولا ترى ولا تسمع ولكنهم لا يعلمون أن الجدران أصبحت تخترق صميم القلب دون موعد مسبق. ولو أن لتلك الجدران صوت لترجمت تلك الحروف إلى لغة أمل أصبحت دروسها تعلق على أبواب العمر حتى تقتل أنين الصمت وتجعل من تلك الأفواه منبراً للتحدث وإعطاء الرأي بكل أريحية.. عجلة الحياة تدور ثم تقف في مكان ما لتخبرك أن الحياة ليست بنص تكتبه أو سيناريو تحفظه وتستطيع أن تضيف عليه تعديلات من خيالك الواسع! فبعض الأمور تأتي على غير استعداد مسبق وكأنها تحضر لك مفاجأة مفرحة أو كوابيس مهلكة!
نحن نعيش الحياة وكأننا نملك مليارات الفرص وحينما تضيع أول فرصة تجدنا نضع رؤوسنا على وسادات العجز! نحن ننسى أحياناً من نحن؟ وكأننا نتقمص أدواراً لا تنتمي لنا وكأننا في تحضير الحلقة الأخيرة من بطولة وهمية لا تمت لنا بأي صلة!
أصبحنا في زمن نتعرى فيه عن قناعاتنا لأجل أن لا نسقط من أعين البعض وكأننا طول تلك الأيام متعلقون بأطراف جفونهم! الحياة لا تسير على مزاج أحد ما ولكن عليك أن تتعلم كيف تحول الحفر إلى فرص حتى لا تظل تشكو حزنك وتكتب بحروف الصمت على زاوية الفراغ! نحن وصلنا إلى مرحلة من الزمن باتت فيه الجدران تنطق والأفواه تصمت!