في حضرة النضج

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجرّنا الحياة لمسارات رمادية حتى تصدمنا بمحطات تجعلنا نبكي بحرقة ونركض وراء أحدٍ ما طالبين النجدة للخروج من تلك الكوة الحارقة إلى أن يخمد لهيبها اللاذع! ونشعر أننا وحدنا من نستطيع أن نخلق مخرجاً في حال اختفت كل المخارج! حتى لا تدعسنا كوابح الزمان وتضعنا في قائمة المجهولين في هذه الحياة! إلى أن يستوعب عقلنا أن الاكتفاء بالذات هو قمة النضج حين تشاهد حلاوة البدايات وتحتسي مرارة النهايات بكل احترافية، وتظل تبرهن للعالم أنك تستطيع أن تمرّ من بين الأشواك دون أن تضعف، لأنك وصلت لمرحلة بدأت فيها تصفق لنفسك وتطبطب على كتفيك في حال رمتك الحياة إلى تلك المحطة السوداء!

في الواقع حينما لا تهتم بروعة البدايات وتشكر الأوجاع والصعاب لأنها لقنتك درساً في الحياة، حينها تصل إلى ذروة النضج، فبعض الأمور لا تستحق أن تضع تحتها ألف خط، حتى تستطيع العبور للمرحلة التالية، بل بعض الأشياء لا تحتاج منك أي ردة فعل بتاتاً! يقال لك إن رضا الناس غاية لا تدرك وهو بالأساس متى كان رضا الآخرين غاية؟! فالبعض لو أنزلت لهم من السماء ذهباً يسألونك هل هو عيار 18 أم عيار 21؟! تجدهم يبحثون عن الثغرات وإن لم يجدوا شيئاً يبدؤون بصنع ثغرات جديدة من وحي الخيال حتى يعيدوك إلى مرحلة الصفر، عجيب أمرهم لو فرشت لهم الأرض وروداً لا يعجبهم بل يطلبون منك بساتينَ من الورد حتى يصلوا إلى مرحلة الرضا! وإن استمررت وراء رضاهم تأكد بأن عجلة الزمان لن تنتظرك حتى تقنع هؤلاء بقيمك ومبادئك! فالبعض لا يستحق أن تبذل جهداً لأجله لأنك حينما تتمسك بفكرك ورأيك تجدهم يقولون عنك «ديكتاتوري ورأسك جامد»! وحينما تنصح أحدهم تجدهم يسرعون بقول جملتهم الشهيرة «أنظر لنفسك أولاً!» وحينما تساعد أحدهم يأتيك الرد الصاعق بقولهم «من منا طلب منك المساعدة!»

في الحقيقة هؤلاء ممن ينطبق عليهم المثل «لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب» إلى متى سوف تظل ألسنة الناس وردود أفعالهم هي شغلنا الشاغل في هذه الحياة؟ متى سوف نتطرق لأنفسنا ونتعرف على مطالبنا وغاياتنا؟ هل عندما نخسر أحلامنا وطموحاتنا لأنها لم تعجب حضراتهم أم حينما ينتهي بنا المطاف! من أفضل المراحل التي تصل إليها حينما تجلس على الوتر الساكن حيث تعيش عالمك الخاص بهدوء وصمت دون ضجيج، هنا تجد نفسك متصالحاً مع ذاتك، مبتعداً عن المقارنات والمجاملات، ومقترباً من الدروس والتجارب، فالنضج لا يقاس بالعمر بل يقاس بالفكر والوعي، فلا فائدة من كبير عقله طائش! ومن جهة أخرى نشاهد صغيراً عقله بارع!

تأكد أنك حينما تصل إلى مرحلة لا تنتظر بها تصفيق الآخرين لك هنا تقف حروف النضج لتكتمل أمامك.

Email