في محكمة المجتمع

ت + ت - الحجم الطبيعي

هنالك فئة في مجتمعنا لم يفِ أحدٌ حقها في التعبير عنها أو فهمها، لم ترو قصصها أو لربما قيلت ولكنها سُردت لنا ناقصة أو عارية من الصحة، ثمة فئة تعيش بيننا تملك قوى خارقة يستهان بها، هم مثلنا بشر يمتلكون أحاسيس وعواطف ولهم أمنيات، ولكنهم وصموا بألقاب وأوصاف لربما في بعض الأحيان جعلتهم يمشون باستحياء بيننا، هذا ولأنهم في محكمة المجتمع حُكم عليهم بتهمة العيب والعالة على عائلاتهم، حتى باتت بعض تلك العوائل تستحي أن تذكر وضعهم الاجتماعي أمام الناس، سأكتب اليوم وأتمنى أن أتطرق للموضوع دون أن أفتح جرحاً لا يُخاط أو يجبر، دون أن استخدم صيغة التعميم ودون ظلم أو إجحاف في حقهم، دون إلقاء اللوم على مجتمع كامل.

مقالتي اليوم مهداةٌ لتلك المرأة التي نقول عنها «عانس».

أسميتهن «الخارقات» لأنهن بالفعل خارقات لسن عاجزات أو ناقصات ولا حتى مثيراتٌ للشفقة، هن بقوة 10 نساء ورجال، ويحملن مسؤولية مضاعفة، فالتي تقولون عنها «عانس» تمتلك فطرة كل النساء، هي كذلك من قلبها تود أن تكوّن أسرة تعيش بكنفها سعيدة، تود حقاً أن تتلذذ بشعور الأمومة، أن تحمل في أحشائها كائناً صغيراً لـ 9 أشهر، هي لم تكن تنتظر أمير ديزني الخيالي أن يقف بحصانه الأبيض أمام بيتها، وليس كما يصورها الكثير بأن بها عيباً أقعدها في بيت ذويها دون زواج، لا تعمموا أحكامكم فقط لأن في بعض القواعد والقصص شواذ لا يمثلون البقية، لم يكتب نصيبها لأن الله سبحانه وتعالى يرى في تأخيره لها في هذا الأمر خيرٌ كثير.

ليست المطلقة فاشلة أو غير كفء لتحمل المسؤولية، الناس يستسهلون إلقاء الأحكام عند سماعهم القصة من طرفٍ واحد، لم تكن المطلقة يوماً عالة، لم يكن ذلك القرار سهلاً أن تتخذه إلا وقد كُسر جزءٌ كبير منها، لكنها تعلم بأنه كان خيراً لها ولسلامة نفوس الأبناء والأسرة، ليس سهلاً على الإنسان أن يضيّع عمره في بناء ما ليس صالحاً للبناء، أن يستهلك في أطهر علاقة أوجدها الله فيرمى مكسوراً عاجزاً، ويأتي مجتمع بأكمله يُلقي أصابع الاتهام عليها فقط لأنها امرأة!

السادة القضاة في محكمة مجتمعنا أود أن أترافع في دعواي عن الأرامل والمطلقات وأقول دون خوف أو تردد ولا حتى خجل، هن خارقات يقمن بأدوار ثنائية، فهن الآباء وهن الأمهات، يربين أبناءهن ويعلمنهم ويسعون في سبيل توفير كل سبل الراحة والعيش الكريم لهم، ويضيع عمرهن من أجل فلذات أكبادهن، هن ربات البيوت والعاملات، يجري بهن العمر ويطوف في إرضاء كل حوائج الأسرة، ترسم على وجوههن خطوط الزمن تجاعيد قسوة الحياة وينسون أنفسهن، قويات ذوات عزيمة لا تقهر رغم كل الأحكام والقيل والقال في حقهن، رغم كل الظروف يقفن بكرامة وقوة يبذلن جهداً مضاعفاً عن تلك النساء اللاتي يملكن أزواجاً وسنداً لهن، يُضيّعن حقهن في الزواج مرة أخرى وحقهن في العيش، هذا ولأنهن عاهدن أنفسهن بأن لا ينقص أبناءهن شيئاً ولا يذيقنهم جرعة الحرمان كما حرمن هن، ليثبتن للمجتمع بأنهن قادرات متمكنات يستطعن فعل أضعاف ما تفعله النساء اللاتي هن أفضل منهن نصيباً، ولسن عاجزات أبداً.

كل امرأة ذكرتها فيما سبق المحكوم عليها في محكمة المجتمع، كُتب لها بأن يصيبها ما أصابهن وليس جُرماً ما وقع منهن من اختيار، قال تعالى في سورة البقرة الآية 216: (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)، فكل الخير مكتوب بأقدار الله ولكل كسر جبر وعوض، ويقول الله جل جلاله في سورة القلم الآية 32: (عَسَىٰ رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا رَاغِبُونَ)، فحتى في قدر الله المكتوب دائماً هنالك قصة أخرى بديلة بأشخاص وأحداث وأرزاق لم تكن بالحسبان، يصقلنا الله بابتلاءاته لنصبح أفضل عما نحن فيه، فلربما عوضهن بزوج آخر أو نجاح وعمل لربما بأبناء صالحين سخرهن الله ليكونوا هم الضماد والسند.

ليس عيباً عزيزي القارئ أن تكون المرأة متأخرة بالزواج أو مطلقة أو أرملة، فلا أحد يختار أقداره كيفما يشاء، فكفوا عن الانتقاص منهن، بل كونوا لهن عوناً وجازوهن باحترامكم وتقديركم لهن ولما يبذلنه في سبيل أبناءهن وعائلاتهن.

Email