ولست أرى في أبصار العالم حزناً كما حزن الكويت على الصباح، صباح تظل تفاصيله تروى إلى الآن أصوات شهيق بدأت تخرج من الحناجر ودموع شعب صبت في ضفاف الجهراء لتروي لنا عن يوم ظلت به الأعين تنزف شوقاً لصباح أصبح على العالم بمعالم ليلية سوداء جرّت معها خبراً بات عنوانه يكتم الأنفاس، ويخطف القلوب، تروى بين سطوره أن قلب الخليج النابض بالإنسانية يترك العالم متجهاً إلى الجوار الأكرم، لتصحو الكويت على صباح دامس، وكأنما كل ما في العالم توقف حينها!

ظلت الأيادي وحدها تلوّح للسماء لتهمس بصوت واحد أن هذا الصباح يشبه ليلة الزبرقان.

لقد رحل البدر، ولو قيل للزمان أن يلد مثل الشيخ صباح أضعافاً من شخصيته القيادية لأصبحت الأمهات يلدن رجالاً بمعنى الكلمة. لا شيء يقتل مشاهد الحزن والأسى سوى ترياق الذكرى.

في ميادين الرجال لا يوجد هناك مكان للاستسلام، وهذا ما عهدناه من الفقيد، فقد كان يمد يد السلام لتقوية البنيان العربي الأصيل حتى آخر رمق في حياته. مشهد يتحدث عن نفسه وكأن هذا اليوم هو يوم رحيل أب عن أبنائه سكن قلوبهم بابتسامته، أي قشعريرة تلك لمست أجسادنا بخبر رحيلك! ألا يا طبيب الزمان، لو كان عندك دواء للفقد داوني، فلا يجبر ألم القلوب أي مداوٍ.

ومن منا لا تغشاه مشاعر الحزن عندما يرحل قائد الإنسانية عن العالم بأكمله، قائد يخاطب شعبه بكلمات تلامس القلوب قبل العقول قائلاً: «كيف أرتاح إذا لم تكونوا مرتاحين؟، وكيف يهدأ لي بال إذا كنتم قلقين؟ أي قلب حنون ذلك الذي امتلكه الأمير الراحل، فقد كان يعامل شعبه بطيبة قلب وبابتسامة تسرّ الناظرين.

وحينما نتحدث عن الألقاب فقد كان الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح من الرؤساء الذين اكتسبوا الألقاب بفكره ونهجه القيادي النير، فقد لقّب بأمير الإنسانية، وقائد العمل الإنساني، وشيخ الدبلوماسيين العرب وفي العالم، وغيرها من الألقاب والأوسمة التي حصل عليها الأمير الراحل، وهذه الألقاب تبرهن على حكمة الفقيد ونهجه المرموق في ترسيخ الحياة الديمقراطية، كما أنه لعب دوراً مهماً في حل القضايا والنزاعات لتطبيق السلام ولمّ الشمل العربي.

فقد كان الأمير الراحل يتمتع بنظرة مستقبلية لجعل الشعب الكويتي يعيش حياة يسودها الرخاء والاستقرار. إذا جلسنا نتحدث عن محاسن المغفور له بإذن الله فلن نستطيع حصرها!

كل القلوب تعتصر ألماً وشوقاً للفقيد، أبراج الكويت جفّت دموعها على رحيل قائد لن يكرر التاريخ مثله، جزيرة فيلكا أصبح نواحها يسمع من المحيط إلى الخليج. ويح للزمان، لو جُمعت دموع الحزن التي سكبت لفراق فقيدنا لما جعلت من الفراق حقيقة مرة نحتسيها، ولكن ما دام في الكويت الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، فالكويت والعالم بأكمله بخير.