غوغائية البشر

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجرّنا تيارات الواقع إلى دوائر كهربائية تتدفق فيها الشحنات السلبية لترينا المنطقة السوداء التي حاربت الضوء المشرق حتى بقيت الأسلاك عاجزة عن مقاومتها، وهذا ما يحدث تماماً مع فئة من البشر الذين يمتلكون بصيرة فكرية معتمة تجعلهم يتحركون خارج السرب حتى يتعرضون لصدمة كهربائية تعيدهم إلى نقطة الصفر، تعمل هذه الشريحة من المجتمع على رسم منحنى متخفٍ يتعارض مع مسار العالم بأكمله من خلال تقديم سلسلة من الأفكار بأسلوب همجي تسوده الفوضى والعشوائية والدفاع عن تلك الأفكار حتى باتت حناجرهم مرهقة وكأنها تردد في ذاتها أنقذوني من هذا النشاز الفكري حتى لا أصبح وسيلة لتحقيق أهدافهم الهدّامة.

تفكر هذه الفئة بطريقة غير عقلانية فتجدهم كالقطيع الذي يتحرك من غير تنظيم إذا لم يوجد هناك راعٍ يقوده للوجهة الصحيحة، فتجدهم تارة واثقين من أنفسهم وتارة يتغلغل العجز في أجسادهم حتى أصبحوا يزهقون أرواحهم بأيديهم لأنهم لا يستندون لخلفية ثقافية تثبّت أقدامهم في المكان الصحيح، فهم يعتمدون على تسويق الوهم مقتنعين بأنهم هم المنتصرون في تلك المعركة حتى أصبحوا يخرجون عن القوانين لتظل أشرعتهم ترفرف في مراكبهم الهزيلة لكي يتلذذون بطعم الفوز على حساب الآخرين.

يظن الغوغائي أنه قادر على إلقاء كلمته في كل مجال ويثق ثقة عمياء بنفسه بأنه قادر على فهم وتوضيح الأمور وتحليلها بناءً على تفكيره السطحي ورأيه الشخصي حتى يجذب الجميع بواسطة مغناطيسه الزائف.

ولكن هنا تكمن المشكلة حينما ترفع راية النصر من غير حق أو دراية في الموضوع، لأن حضرة الغوغائي لا يجد الوقت الكافي لمناقشة الأفكار حتى نجده يمسك بصافرة الحكم معلناً انتهاء المباراة دون إفساح المجال للطرف الآخر بإبداء الرأي أو مناقشته على الأقل. تتكاثر تلك النوعية من البشر في مجتمعنا، فهي تعيش في حالة من الهرج والمرج دون الاستناد لبصيرة منطقية تعيد ترتيب أفكارهم حتى أصبحت الانفعالات العصبية تشحن عقولهم في حين تمت معارضتهم بالرأي.

تستمر حالة الغوغاء بتمديد زواياها المتشعبة في العديد من المجالس والملتقيات دون الاكتراث للزمان والمكان، فهم كسرب الجراد يخرجون عن طورهم في حين تمت معاكستهم بالرأي يكشفون هويتهم الحقيقية بالأسلوب المتردي والكلمات غير اللائقة إلى أن يسقطوا أقنعتهم بأنفسهم. نقص الوعي الثقافي لهذه الفئة جعلتهم يرفعون أنوفهم للسماء، ولكن هيهات أيها الغوغائيون، فنحن في معركة نكسر فيها أنوفكم بفكرنا وأسلوبنا المنطقي الذي يجعلكم تسقطون خجلاً في حلبة انتصر فيها العاقل وخسر فيها الجاهل.

Email