ملف التوطين

ت + ت - الحجم الطبيعي

 سأحدثكم اليوم عن ملف من دسامة محتواه أصبح ثقيلاً على عاتق من يهمه الأمر.

أريد أن أنوه قبل الخوض في تفاصيل هذا الأمر، إلى أنني هنا أبوح عن رأيي وتجربتي أنا ومن هم مثلي، والذين يشكلون نسبة 80% من فحوى هذا الملف.

دولتنا الحبيبة سابقت مضمار التطور والتنمية بشتى مجالاتها، وكانت وما زالت الأولى في الكثير من الأمور، ولم نشهد من قيادتنا أي تقصير، بل كانوا دائماً يتعدون مستوى توقعاتنا ونفتخر بهم.

ملف التوطين أشرف عليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حيث قال سموه في الاجتماع الذي تم عقده في قصر الرئاسة بأبوظبي: "تقييمنا لنجاح المسؤولين في مختلف القطاعات سيعتمد على جهودكم في التوطين، وخلق فرص وظيفية لأبنائنا في هذه القطاعات".

يا ترى ما الذي سقط سهواً من أيادي الرؤساء والمسؤولين والمديرين، كي يبقى هذا الملف مفتوحاً إلى الآن؟ يا ترى هل نحن - الباحثين عن عمل مواطني هذه الدولة - متقاعسون ولسنا ذوي كفاءة لهذه الدرجة كما يصورنا البعض؟!

المرعب بالأمر أن هناك خريجين من الجامعات والكليات بتخصصات مميزة وفريده تواكب عصرنا، ناهيك عن التخصصات الأخرى وبعقليات نيرة وواعدة، البعض منهم تخرج بامتياز وجدارة، وهناك أيضاً من لم يحالفه القدر بأن يكمل تعليمه الجامعي، فاكتفى بالثانوية العامة، ولكن لا تكمن هنا المشكلة، إنما تكمن في كمية الطاقة والحماس الذي يمتلكه، كذلك المعرفة الواسعة بمتطلبات سوق العمل.

خريج جامعي أو ثانوية عامة كل منا لديه طاقة وعلم وهدف، كل منا يستحق أن تتاح له الفرصة بأن يستثمر طاقته لنفسه ووطنه، أنا على يقين تام بأننا -نحن الذين نشكل الـ 80% من هذا الملف - ذوو كفاءة عالية ومجتهدون ونسعى جاهداً لتتاح لنا فرصة عمل واحدة.

توجد فئة بيننا من يصورون لنا المواطن على أنه "بطران" و"ما يملي عينه شيء ويبا بس راتب خيالي وكرسي وطاولة ويشرب شاي وما يبذل جهد"!! صدقني عزيزي القارئ أعرف تلك الفئة جيداً، فقد كنت أعمل بينهم في بداية مسيرتي المهنية، ولكنها الأقلية التي يتحدثون عنها، والتي تشكل 1% فقط، فأرجوكم كفوا عن التعميم.

الكثير من الجهات حين تعرض لك شاغراً، الشرط الأول والأساسي الخبرة، فلنتحدث بعقلانية، أكيد الخبرة مهمة جداً، فالكثير من الجهات ليس لديها الوقت الكافي لتعليمك مهامك من الصفر، فسوف توفر عليهم الكثير من الوقت عندما تكون ذا خبرة، وعلى دراية ببعض من مهامك.

لكنني أرى أنه من الأفضل أن توضع الخبرة شرطاً أساسياً لمنصب قيادي وإداري كبير، مثلاً: منصب مدير أو مسؤول قسم، فلا إشكالية هنا، أما دون ذلك فالجميع يطالب بخبرة لا تقل عن سنتين.. عفواً إدارة الموارد البشرية "إذا نص الشعب قاعد يدور على وظيفة، من وين له الخبرة"، وإذا بعض الجهات ترفض طلبك بكثير من الأسباب، منها: أن تكون ذا كفاءة أعلى من الشاغر المطروح كالشهادة التي يحملها المتقدم على الوظيفة رغم أنه موافق وراضٍ عن ذلك، أو أنه يحمل خبرة بشاغر وظيفي سابق أعلى من المعروض عليه حالياً، لكنه كما قلت راضٍ بذلك، لأنه على علم بظروف سوق العمل والصعوبات، وطبعاً حاجته الماسة لهذه الوظيفة.

بإمكان أي جهة أن تغض النظر عن شرط "الخبرة" لبعض الشواغر المطروحة لربما سهلت الأمر.

من جهة أخرى عزيزي الباحث عن عمل أرجوك كن منطقياً، اقبل أول وظيفة من عمرك تتاح لك بأقل راتب، ولا تقلل من شأن أي مسمى وظيفي أو منصب، خذ الخبرة، قدم قدراتك ومهاراتك، ثم طورها واجتهد حتى تأتيك الفرصة المثلى لك، وتكون كفئاً لها، أعطيك نصيحتي هذه من واقع تجربة.

أما أنتم أعزائي المسؤولين عن التوظيف.. أرجوكم كونوا أكثر مصداقية وواقعية، كيف لباحث عن عمل ذي خبرة عملية وقدرات ودورات وشهادات أن يقبل عرضك لوظيفة دخلها الشهري خمسة آلاف درهم، وثانوية عامة ذو خبرة يستلم أربعة آلاف!!! تخيل معي فقط، وضع نفسك مكانه.

أنا لم أفهم بعد كيف للمواطن أن يكون هو السبب الرئيس والأول وصاحب متطلبات خيالية؟! أكرر.. أحدثكم من واقع تجربتي.

في سباق البحث عن الوظيفة يجبر البعض أن يبحث عنها في إمارة غير إمارته طبعاً لأسباب كثيرة، منها: الفرص الواسعة، والراتب المغري والمرضي أهم هذه الأسباب، يجبر البعض على ترك أهله للبحث عن لقمة العيش، فالأمر متعب جداً لرب أسرة معيل لديه أطفال ومسؤوليات واحتياجات الأسرة، لك أن تتخيل بإمارته الفرصة التي لربما، ضع خط على لربما ستتاح له، سيكون راتبه الشهري مع الامتيازات كحد أقصى دون مبالغة 8000 درهم!، ((وسع آفاقك معي قليلاً، رب أسرة!)).

رجاءً سيادة المسؤول عن التوظيف رفقاً بنا إذا لم يكن محتاجاً وكفئاً لما تقدم لوظيفة بإمارة أبوظبي وهو من الفجيرة عبثاً، فلا تجعل ذلك أيضاً حجة للرفض. أناشد من كل قلبي أن يعاد النظر في الرواتب المقدمة ببعض الإمارات في الدولة.

عندما يسعى قادة الدولة لمنحك أيها المواطن أفضل الفرص وعقد اتفاقات مع القطاع الخاص لتكون لك الأحقية بالعمل في هذا القطاع، فأرجوك كن على يقين بأن القادة كانت لهم نظرة إيجابية، ليس كل قطاع خاص سيئاً كما يصوره البعض، أنت فلذة كبد هذه الدولة وأنت الأحق فيها.

السادة لمن يهمه الأمر في القطاع الخاص، سمعنا الكثير من الشكاوى، فلطفاً بالمواطنين لأنهم ذوو كفاءات عالية، امنحوهم الفرص وكونوا معهم لا عليهم.. حينها سترون كيف هي كفاءة وجدارة مواطني هذه الدولة.

ملف التوطين واسع وعميق، لربما تطرقت إلى جزء بسيط منه فقط، فهنالك الكثير لنقوله ولنوصله لكم، وأتمنى أنني قد وفقت واستطعت أن ألقي الضوء عليه بكفاية ومصداقية. الرسالة لكم ونحن نترقب ممن يهمه هذا الأمر بأن يغلق هذا الملف وكل الأطراف بتمام الرضا.

 

Email