الخيال في الأدب: واقعية مفرطة

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتهم الروايات أحياناً بأنها خيالية، وأقول «اتهام» هنا؛ لأن الخيال في السياق الذي يستخدمه بعض الناس يقصدون به الذم أكثر منه الإشارة إلى عنصر أو أداة فنية إبداعية في الكتابة الأدبية، أي إن الرواية حكاية بعيدة عن الواقع ومنسوجة من الخيال. يغفل الكثيرون أن الخيال نوعان: خيال صريح ومباشر من قبيل ما نسمع عنه، والنوع الثاني هو في الأصل واقع جريء، لكنه متنكر بلباس الخيال، يتسم بالواقعية المفرطة، وغالباً ما نجده في الروايات، لا سيما في أدب الواقعية السحرية.

أحياناً لا يصلح أن نتكلم عن الواقع بلغته المألوفة والدارجة، ربما لأنه لن يهتم أحد إلى سماع أو فهم ما نود أن نقوله؛ لأن هذا هو الواقع الذي يعرفونه، ما الجديد الذي سنقدمه لهم عنه؟

فعلى سبيل المثال قصة مثل تحول إنسان إلى حشرة في رائعة الكاتب فرانز كافكا «الانمساخ» للوهلة الأولى تبدو قصة من أساطير الخيال، إذ من سابع المستحيلات أن يتحول إنسان إلى حشرة! وهذا صحيح، لكن القصة ليست خيالية بالمعنى الدارج للكلمة، العنصر الخيالي الوحيد «الصريح» في الرواية هو تحول إنسان إلى حشرة، وليس هذا هو المغزى من الرواية أصلاً، المغزى في الشكل الثاني من الخيال «الواقع المتنكر بالخيال» وهو التحولات والتغييرات التي طرأت على كائن تجرد من ذاته، كائن انفصل وجدانيا واجتماعيا عن محيطه.

الرمزية في الأدب ليست مجرد محاكاة للواقع أو فرصة لتأويله، بل هي الواقع بذاته، ولكن بوجه جريء لم يسبق لنا رؤيته من قبل، ولذلك نقول إنه يحاكي الواقع.

Email