رفيق الذاكرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

المكان: السوق القديم في أبوظبي

عمري 10 سنوات

أنا مع والدتي التي كانت تنتقي من دكان البهارات ما يلزمها، نظرت لخارج الدكان ليخرج شابان من الدكان المقابل، قد يكونان في العشرين من العمر، أحدهما كان يستند إلى عكاز وتلف رجله اليسرى جبيرة، ابتسم ذاك الشاب الكسير للطفلة التي وقعت عينه في عينها، لتشيح بوجهها خجلاً وبارتباك، وتلتصق بعباءة أمها وكأن تلك النظرة ستختطفها للبعيد.

المكان: كورنيش جدة

عمري 18 عاماً

في رحلة مع إخوتي للمملكة العربية السعودية، تحديداً عروس البحر الأحمر جدة، وهناك رأينا لأول مرة الأسر تفترش الكورنيش وتسهر لقرب الفجر مع أطفالها، ومجموعة شباب جلسوا بشكل دائري يتوسطهم عازف عود، تداعب أسماعنا رشاقة أنامله وعذوبة عزفه.

ومما لم نعهده وقتها أن الخميس كان إجازة رسمية في المملكة، لذلك كانت سهرات الكورنيش تبدأ من مساء الأربعاء، وبذلك كسبنا نحن أهل أبوظبي السهر معهم 3 ليال تقريباً، وكانت من أمسيات العمر.

وحده كان جالساً تلك الليلة على آخر اللسان الصخري الممتد في البحر، وحده من أول الليل حتى تجلى لنا الفجر وبدأ الجميع يلملم حاجياته ويضعها في سيارته ويعود لبيته.

إلا ذاك الشاب، بقي وحيداً كما كان من أول الليل، الليل الذي قضيته أنا أفكر فيما يشغله! وماذا يا ترى يجول بخاطره؟

هل ودع حبيباً؟ أم طُعن بخنجر خيانة؟ أو ضاقت به الحياة ودروبها الشائكة؟

أسئلة كثيرة عنه وعما كان يعتمل في نفسه كل هذه الساعات، حملتها معي وأنا أقطع شارع الكورنيش مع إخوتي عائدين لفندقنا المقابل لكل هذه المشاهد. مرت كل هذه السنوات وهذه الصور وغيرها لا زالت في ذهني، لم تبهت يوماً، لِمَ هي؟ وما الذي ميزها؟ لا أعلم.

كل ما أنا واثقة منه أن لكل منا صوراً ومحطات غريبة لأشخاص غرباء مروا في حياتنا أو أمام أعيننا لثوان واختفوا، وبقيت هذه الذكرى تأبى الزوال.

غريب..

مر ومضى

كانت مجرد صدفة في ليلة يتيمة

عايش معي عمر وهو ما درى.

Email