اللغة العربية إلى أين؟ 26

ت + ت - الحجم الطبيعي

أسمع كثيراً من يتهمون العرب أنهم أهملوا لغتهم وقواعدها، وأن الذين اهتموا بها لم يكونوا من العرب، مثل سيبويه، التي ترجمتها رائحة التفاح، والحقيقة أنني لا أختلف أن كثيراً من علماء وفقهاء اللغة، لم يكونوا عرباً بالانتماء القومي، ولكنهم كانوا عرباً بعلمهم وبلغتهم العربية الرائعة، وصفة الانفتاح على الشعوب الأخرى، كانت من سمات العرب على مرّ العصور، فالعروبة ليست مجموعة من الصفات العرقية أو الدينية، بل إنها سمة لمن يتكلم العربية، ويمارس عادات وتقاليد العرب.

وعندما قرأت سيرة القائد العربي الشهير طارق بن زياد، الذي فتح الأندلس، تحت قيادة القائد العربي موسى بن نصير، وجدت المؤرخين ينسبونه إلى العرب تارة، وإلى الأمازيغ البربر تارة أخرى.

وسواء كان عربياً أو أمازيغياً، فإن ما يهمني، هو أنه كان خطيباً عربياً مفوهاً، بل كان شاعراً أيضاً، وكل ما وصلنا عنه، كان بلغة عربية فصيحة سليمة.

ومن منا لا يتذكر خطبته الشهيرة، التي اعتبرت أهم مثير للحماسة ومعد للجيش ليحقق النصر، فلا سبيل له للحياة إلا بالنصر وفتح الأندلس. قال طارق بن زياد بعد أن أحرق السفن: -: أيها الناس، أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم، وليس لكم واللهِ إلا الصّبر.. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة، أضيع من الأيتام على مآدب اللئام، قد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات لكم إلا ما تستخلصونه من أيدي أعدائكم.وإني لم أحذركم أمراً أنا عنه بنجوة، ولا حمّلتكم على خطة أرخص فيها متاع النفوس، إلا وأنا أبدأ بنفسي.

واعلموا أني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حاملٌ بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتله، إن شاء الله تعالى، فاحملوا معي، فإن هلكت بعده، فقد كفيتكم أمره، ولم يعوزكم بطل عاقلٌ تسندون أموركم إليه.

هذه بعض مقتطفات من خطبة طارق بن زياد التاريخية، والتي لا يمكن أن يقولها إلا خطيب مفوه، ومتكلم فصيح، فإن كان طارق بن زياد عربياً، فقد استخدم لغة قومه، وإن كان أمازيغياً، فقد استخدم لغة القرآن، الذي جعله مسلماً.

لا توجد أبواب مغلقة أمام الناس للانتساب إلى العرب، أي إنسان يستطيع أن يكون عربياً، إذا عاش مع العرب، وتكلم لغتهم، ولم يكن العرب في يوم من الأيام منغلقين على أنفسهم، أو يضعون حواجز بينهم وبين بني البشر.

وطارق بن زياد فاتح الأندلس، الخطيب والشاعر، يؤكد عروبته لغة وعيشاً، وحتى موتاً، فقد توفي، رحمه الله، في دمشق، مع قائده موسى بن نصير، على أيام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بن مروان، سنة 101 هـ.

وللحديث بقية.

Email