اللغة العربية إلى أين؟ "23"

ت + ت - الحجم الطبيعي

إجادة التحدث بالفصحى لا تقتصر على معرفة نحوها وصرفها، بل إنها تتطلب معرفة بالشعر والأدب العربي، كما تتطلب إتقان كتابة هذه اللغة، فلا يقع الكاتب في أخطاء إملائية قد تغير المعاني المقصودة.

أتذكر في الصفوف الابتدائية والإعدادية، كان لدينا مادة في اللغة العربية هي مادة المحفوظات في هذه المادة كنا نحفظ بعض القصائد بعد أن يشرحها لنا الأستاذ ويفسر معاني الكلمات الصعبة، كما كنا نحفظ بعض القطع النثرية مثل خطبة طارق بن زياد، وبعض ما قاله ابن المقنع وخطبة الحجاج في العراق وغيرهم. اليوم أستطيع القول إنه بفضل ما حفظت من شعر ونثر في المدرسة، أستطيع التحدث بالفصحى مستشهداً بما لدي من محفوظات رسخت في فكري ولم تمحها الأعوام التي تركت الدراسة فيها وتفرغت للعمل الإعلامي.

وكم كنت أستشهد بما حفظته من قصيدة أبو القاسم الشابي الشاعر العربي التونسي ومنها قوله:

إذَا الشّعْـبُ يَوْماً أَرَادَ الحَيـاةَ

فَـلاَ بُــــــدَّ أنْ يَسْتَجِـيبَ القَــــــــدَرْ

ولاَ بُـــــدَّ لِلّيـــلِ أنْ يَنجَـلِـــي

ولا بُـــــــــدَّ لِلْقَيْـــــدِ أنْ يَنْكَسِــــــرْ

ومَن يَتَهَيَّبْ صُعُــودَ الجِبـــال

يَعِـشْ أَبَـــدَ الدَّهْـــرِ بَيْــنَ الحُفَــــرْ

أو قصيدة المتنبّي

الخيلُ واللَّيْلُ وَالبَيْـداءُ تَعْرِفُنِي

والسَّيْفُ والرُّمْحُ والقِرْطَاسُ والقَلَمُ

أنا الّذي نَظَرَ الأَعْمَى إلَى أَدَبِي

وَأَسْمَعَـتْ كَلِمَــاتِــي مَـنْ بِـهِ صَمَــمُ

أو قصيدة أبو العلاء المعرّي:

غيرُ مُجْــدٍ في مِلّتِي واعْتِقــادِي

نَـــوْحُ بَـــاكٍ ولاَ تَــرَنُّـــمُ شَــــــادِي

أو قصيدة أحمد شوقي

وللحـــريـــة الحمــــراء بَــــابٌ

بكُــلِّ يَـــــــدٍ مُضَـــرَّجَـــةٍ يُـــــدَقُّ

أو قصيدة حافظ إبراهيم:

هذي يدي عن بني مصرٍ تصافحكم

فَصَافِحُوهَـا تُصَافِحْ نَفْسَهَـا العَـرَبُ

ولا شكّ أن أي متكلم بهذه اللغة الرائعة محتاج لحفظ بعض الشعر والنثر للاستشهاد به والتأثير على المستمع والمتلقي بهذه الاستشهادات المؤثرة. لذلك فإن أي منهج لتدريس اللغة العربية يجب أن يأخذ بالاعتبار وضع نماذج شعرية ونثرية ويطلب من الدارسين حفظها والاستفادة منها.

وللحديث بقية.

Email