اللغة العربية إلى أين؟ (21)

ت + ت - الحجم الطبيعي

لا أدري لماذا أشعر وأنا أقرأ ما يسمونها بقصيدة النثر أن لديّ تخلفّاً عقليّاً واضحاً، ولذلك أهرب من قراءة تلك القصائد حتى لا أكشف مقدار تخلفي العقلي.

اليوم حاولت مقاومة هذا الشعور وتصفحت الملحق الثقافي لإحدى الصحف محاولاً مناطحة تلك الصخور المرتبة بشكل أسطر أحياناً تقل عن سطر، وأحياناً أخرى تزيد عن ثلاثة، فعدت بكدمات دامية دون أن أستطيع حتى فهم معنى واحد أو الاستمتاع بصورة شعرية أو لوحة شعورية واحدة. قرأت قصيدة أغراني عنوانها واستبشرت خيراً حينما استطعت أن أفهم ذلك العنوان الجميل ثم قرأت المقطع الأول: أيها الموت، آن لك أن تصغي: اهدر جفوني لأراني قبل أن تراني لك. أعدت قراءة المقطع مرتين وثلاثاً ثم وقفت حائراً غير قادر على فهم شيء، ثم قاومت اليأس بمحاولة شرح مجهدة.

سأزعم أن هذا الإبداع قد حملنا على جناحين من ضوء وحلق بنا في فضاء ظلام النفس لنرى ما عشنا حياتنا غائبين عنه، ننظر إلى الآخرين حولنا دون أن نستطيع رؤية ما نحن ومن نحن وما هي الممتلكات الذاتية التي جمعناها في رحلات المعرفة التي لم تتوقف يوماً منذ ألقت بنا أرحام أمهاتنا إلى طرق الأيام والسنين. وسأزعم أن هذا لقول يشبه ما قاله المسيح عليه السلام:

- ما فائدة أن يربح الإنسان العالم كله ويخسر نفسه. ولكن لو صدقت هذا الزعم وتجرأت بنشره فقد يؤكد ذلك للقراء وخاصة المتبحرين في قصيدة النثر أنّ تخلّفي العقلي يتجاوز الحد المسموح به لبقائي حراً وقد يطالب بعضهم بوضعي في الحجر الطبي، وفي أقرب مستشفى للأمراض العقلية، فالشاعرة في هذا المقطع لا تعني بالموت الموت، ولا تعني بالذات الذات، ما هذا الفعل المبدع (لأراني) إلا أداة لفظية تعني انفجاراً ضوئياً في ظلمة حالكة.

- هل أنا الوحيد الذي يشعر بالغربة أمام قصيدة النثر ؟ وكم عدد الذين لا يستطيعون فك طلاسم هذا النوع من الشعر أو إدراك جمالياته ؟

سأشعر بالعزاء عندما تأتي الإجابة عن هذا السؤال لتؤكد وجود مليون متخلف مثلي، أما إذا جاءت النتيجة لتؤكد أن خمسة بالمائة من الناطقين بهذه اللغة والتي أصبحت هي نفسها لدى أقطاب حركة الحداثة في الشعر لغة متخلفة تحتاج إلى التحديث، لو خمسة بالمائة فقط يمكنهم أن يزعموا أن لديهم القدرة على الاستمتاع بهذا الشعر المنثور أو النثر الشعري الحديث والتفاعل معه والطرب لما فيه، فعند ذلك سأستعيد ثقتي بالشعر، وسوف لن أخجل من التصريح أمام حتى شعراء النثر أنني شاعر.

وللحديث بقية.

Email