اللغة العربية إلى أين؟ (16)

ت + ت - الحجم الطبيعي

البحث عن أسباب الغربة بين العربي ولغته، أو بين اللغة العربية وأهلها يقودنا إلى طريق مسدود، لأن هذه الغربة لا تحتاج إلى البحث عن أسبابها لإزالتها ومحوها، بل تحتاج إلى خطوات عملية قادرة على زيادة عدد المتكلمين بالفصحى، وعلى زيادة البرامج والمواد الإعلامية التي تستخدم الفصحى.

أما زيادة عدد المتكلمين فهذا أمر مرتبط بتشجيع الشباب العربي على دراسة هذه اللغة.

فوجئت وأنا أزور إحدى جامعات الدولة أن كلية اللغة العربية وآدابها مقتصرة على الطالبات، ولما سألت عن السبب كان الردّ غريباً، إن الطالب يبتعد عن هذه الكلية لشعوره أن الذين يتخرجون فيها لا يجدون عملاً سوى التدريس بالشهادة التي يحملونها، بينما الوظائف الأخرى أسهل وأكثر فائدة وأعلى راتباً، بينما الطالبات يجدن هذه الكلية مناسبة لهن، لأن العمل بالتدريس هو عمل مناسب وجيد لهن.

وسواء كان هذا السبب مقنعاً أم لا، فإن الواقع هو عزوف الطلاب عن الانتساب إلى كلية اللغة العربية وإقبال الطالبات عليها.

وأنا هنا لا أدعو إلى توفير الوظائف التي تشجع الطلاب على الانتساب لهذه الكلية، لكنني أرى أن الاهتمام باللغة العربية يجب ألا يقتصر على كلية اللغة العربية وآدابها، بل يجب الاهتمام بها وتدريسها في مختلف الكليات العلمية، بما فيها كليات الهندسة والطب والعلوم الإنسانية.

وكم من أدباء وشعراء عرب كانوا مهندسين وأطباء ومؤرخين!

ابن سينا على سبيل المثال، أديب ومن أعلام الطب الإسلامي، ابن الكتاني طبيب وشاعر وفيلسوف أندلسي، إبراهيم ناجي شاعر وطبيب مصري، كان وكيلاً لمدرسة أبولو الشعرية، توفي 1953، أحمد زكي أبوشادي شاعر وطبيب مصري، توفي 1955، خليل سعادة طبيب وكاتب لبناني، توفي 1934، أسماء المرابط ولدت 1961، طبيبة وكاتبة مغربية، صبري القباني توفي 1973، وهو طبيب وكاتب سوري، علاء الأسواني ولد 1957، وهو طبيب أسنان وروائي مصري، من أشهر رواياته عمارة يعقوبيان، مصطفى محمود توفي 2009، وهو طبيب وكاتب وفيلسوف مصري مشهور، نوال السعداوي، وهي طبيبة وروائية، يوسف إدريس، وهو طبيب نفسي وروائي مصري.

والقائمة طويلة، وهي تؤكد أن اللغة العربية لا يقتصر تأثيرها على الدارسين والمنتسبين إلى كلياتها، لكن هذه اللغة العظيمة كانت لغة العلم ولغة إبداع العلماء.

ومن هنا فإنني أدعو إلى إدخال اللغة العربية إلى المجالات العلمية لتشارك اللغات الأجنبية في شرح العلوم، دون اتهامها بالعجز عن مواكبة النهضة العلمية في العالم وتركها كليّاً في الكليات والجامعات والمدارس التي تهتم بالتكنولوجيا والعلوم الحديثة.

وللحديث بقية.

 

 

 
Email