اللغة العربية إلى أين؟(15)

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل ستحال اللغة العربية إلى التقاعد في السنوات القليلة المقبلة؟

أم هل ستضاف إلى لغات العالم المنقرضة التي لا يحل طلاسمها إلا المتخصصون؟

لا أعتقد أنني متشائم أو مبالغ، لكنني بدأت أرى بوضوح معالم ابتعاد لغتنا العربية عن العرب وابتعاد العرب عنها، ولو سألت أي طالب عربي عن الفاعل أو المفعول به لوقف حائراً أمامك وكأنك تسأله عن قواعد اللغة الهيروغليفية.

دفعتني الغيرة على اللغة العربية إلى محاولة تلقينها لحفيدي الذي لا يزيد عمره على عشر سنوات، فاكتشفت أنه يتقن اللغة الإنجليزية إلى الحد الذي يمكن اعتبارها اللغة الأولى له، وكم كنت أشعر بالإحباط وأنا أضطر إلى استخدام مفردات اللغة الإنجليزية لشرح معنى بعض الألفاظ العربية التي كنت أحاول إضافتها إلى مخزونه اللغوي العربي.

ولقد انعكس واقع حفيدي ريان بشكل مؤلم على العائلة التي عرف عنها حبها للغة العربية واعتزازها بها، فما كان من الأم المسكينة إلا أن تقضي مع الحفيد الصغير الساعات الطوال في محاولة لجعل هذا الطفل العنيد يفتح أبواب عقله للغته الأصلية، إلا أن جميع محاولاتها باءت بالفشل، بل أدت إلى ردّ فعل عكسي، حيث أحس ذلك الحفيد أنه يعاني من مشكلة اللغة العربية، وتشكل في لا شعوره ما يشبه الجدار أو الحاجز الذي يبعده عن استيعاب مفردات لغته والإبداع فيها كما يفعل في جميع المواد الدراسية الأخرى، بل إن الأمر وصل إلى حد استشارتي بوضع ريان الصغير مع مجموعة الطلاب غير العرب الذين يدرسون اللغة العربية كلغة ثانية إضافية، وبالطبع رفضت غاضباً هذه الفكرة البائسة.

طلبت المدرسة من ريان الصغير في مادة الإنشاء أن يكتب عن رحلة قام بها إلى المجمع الثقافي في أبوظبي، فكتب ريان عن رحلة قام بها إلى مخيم صيفي، وكان ذلك مثار سخرية مدرسته ووالدته التي أحضرت لي ورقة الإجابة شاكية من غباء ريان الصغير، ومعلنة يأسها من تعليمه اللغة العربية.

نظرت إلى ورقة الإجابة ثم سألت حفيدي:

- هل تعرف ما هو المجمّع الثقافي؟

قال: لا.. لا أعرف.

قلت: ردد معي، المجمّع الثقافي.

حاول ريان الصغير ترديد الكلمتين فلم ينجح إلا في المحاولة الثالثة.

قلت: ما معنى الثقافة يا ريان؟

قال: لا أعرف.

وتساءلت إن كان ريان لا يعرف معنى ثقافة ولا يفهم ما هو المجمّع الثقافي، فكيف سيكتب موضوعاً إنشائياً عن جولة في ذلك الصرح العظيم الذي لم يزره طلبة الجامعة حتى الآن، فهل تتصور تلك المدرسة الطموحة أن حفيدي ريان الصغير أصبح من المثقفين العرب الذين تحتاج إلى سماع رأيهم في المجمّع الثقافي؟

بالطبع أنا لا أريد أن أهاجم أو أنتقد تلك المعلمة اللطيفة التي قامت بطرح ذلك الموضوع على حفيدي، لكنني أريد فقط أن أشير إلى أن المشكلة الرئيسية التي تعاني منها الأجيال العربية الجديدة هي مشكلة التوصيل.

وهنا أسترجع تلك الأيام الأولى التي كنا نتلقى فيها دروس اللغة العربية من أساتذة جعلوا منها مادة محببة لنا، واستطاعوا أن يغرسوها في عقولنا بما كانوا يضيفونه من تسهيل ومن شرح ومن تنشيط.

إذن لا بدّ من إعادة النظر في مناهج تدريس اللغة العربية، ولا بدّ من تأهيل المدرسين والمدرسات للقيام بهذا الواجب المقدس، وإلا فقل السلام على لغتنا العربية، وقد يأتي يوم إذا استمر الوضع على ما هو عليه سيحتاج العرب إلى مترجمين يشرحون لهم الرسائل التي تصلهم باللغة العربية.

ولأهمية هذا الموضوع فإنني سأتناوله من عدة جوانب راجياً أن تجد آذاناً صاغية وقلوباً حارة لا تقبل أن تسكت على مأساة اللغة العربية في هذا الزمن الصعب.

وللحديث بقية.

 

 

Email