اللغة العربية إلى أين ؟ (9)

ت + ت - الحجم الطبيعي

أغرب أو أعجب ما استمعت إليه عن اللغة العربية في وسائل التواصل الاجتماعي، حديث أستاذة جامعية لمادة اللغة العربية، بأعلى صوتها وبكل جدية وكل ثقة بالنفس تطلب فيه من المسؤولين عن التعليم إلغاء مادة النحو والقواعد.

قالت بالحرف الواحد: لو كان الأمر بيدي لقمت بإلغاء النحو والقواعد من المناهج لجميع الطلاب لأن هؤلاء الطلاب ليس لهم شغل في هذا العلم ولا فائدة لهم ترجى من تعلم النحو والقواعد. وحتى لا تبدو وكأنها ضد اللغة العربية أضافت يمكن أن نغمسهم في اللغة أن نغمرهم بها ولكن لا نعلمهم نحوها ولا صرفها لأن ذلك الأمر يأتي بالسليقة. ومع الأسف وجدت هذه الدعوة الغريبة والعجيبة آذاناً صاغية، ليس من المسؤولين عندنا بل من بعض أولياء أمور الطلاب المتعثرين في فهم اللغة العربية والتحدث بها وكتابتها وقراءتها. ولعل فتح باب المناقشة مع هذه الأستاذة لن يكون له جدوى أو فائدة تذكر، ولكن أحمد الله أنه ليس بيدها أن تلغي أو تبقي على علم النحو وقواعد اللغة.

الأغرب أن الأستاذة كانت تنطق كلماتها بشكل سليم، فلا تخطئ في النحو أو الصرف ولا يبدو أن لديها مشكلة في فهم قواعد اللغة العربية والتحدث بالفصحى بشكل سليم.

فهل أتاها ذلك بدون علم النحو، ألم يكن علم النحو هو الذي جعلها تتحدث بطلاقة ودون خطأ، فلماذا تدعو إلى إلغاء هذا العلم الذي هو الأساس الذي يقوم عليه بناء هذه اللغة ؟

إن الادعاء أن هؤلاء الطلاب لا شغل ولا مصلحة لهم بفهم واستيعاب دروس النحو، هذا الادعاء لا يقوم على المنطق، لأنه إذا لم يفهم الطالب كيف يحرك آخر الكلمات حسب إعرابها فهو لن يستطيع التكلم بالفصحى دون خطأ.

المشكلة يا سيدتي الأستاذة الفاضلة ليست بدروس النحو والقواعد، المشكلة بالمدرسين وأنت منهم الذين يجعلون هذا العلم أمراً صعباً وشائكاً لا يستطيع الطالب أن يستوعبه. ولقد دفعني ما سمعته للرد عليها بقصيدة أختار منها هذه الأبيات:

قَالَتْ أنَـا لَوْ كَـانَ لِي سُلْطــانُ

لَحَذَفْتُ عِلْمَ النَّحْـوِ يَا إِخْــوانُ

مَا شُغْلُ طُلاَّبِ العُلُومِ لِيَحْفَظُوا

نَحْـواً وَصَـرْفـاً مَلَّـهُ العُـرْبَـانُ

إنَّ القَـواعِــدَ عُقْــدَةٌ عَـرَبِيَّــةٌ

مَا عَــادَ فِيهَـا لِلْعُـلُـومِ مَكَــانُ

لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ سُلْطَـةً لَحَذَفْتُهَـا

مَا هَمَّنِي لَوْ صَاحَتِ الغـرْبَـانُ

هَـذَا الّذِي بَاحَـتْ بِهِ أُسْتَـاذَةٌ

لِلنَّحْـوِ وَا أَسَفَـاهُ غَــابَ أَمَـانُ

إنْ كَانَ مَنْ أَرْجُو لَدَيْهِ مَعُونَةً

يَحْتَاجُ عَوْنِي ضَاعَتِ الأَعْوَانُ

وَحَمَدْتُ رَبَّ الكَوْنِ أنَّ كَلاَمَهَا

رُغْمَ الشُّيُوعِ أَحَاطَهُ اسْتِهْجَانُ

يَا مَنْ تُـرِيـدُ بِنَـاءَ بَيْتٍ شَـامِـخٍ

دُونَ الأَسَـاسِ يُهَـــدَّمُ البُنْيَــانُ

والنَّحْوُ كَانَ أَسَاسَ صَرْحِ قَوَاعِدٍ

عَــرَبِيَّـةٍ يَرْقَى بِهَـا الإنْسَــــانُ

اللهُ أَنْـزَلَهَـا وَصَــانَ عُـلُـومَهَــا

ودَلِيـلُ صِـدْقِ مَقَـالَتِي القُـرْآنُ

Email