اللغة العربية إلى أين؟ (4)

ت + ت - الحجم الطبيعي

صحيح أن اللغة العربية محيط لا يمكن أن يحيط به إنسان مهما بلغ علمه وعلا شأنه، ولكن ما هو مطلوب الآن أن يعود العرب إلى لغتهم وأن تعود اللغة إليهم.

ليس من المطلوب من الجميع أن يختزنوا في عقولهم وذاكراتهم جميع كلماتها وألفاظها، فهذا شبه مستحيل بل مستحيل تماماً.

ولكن يستطيع من يريد التحدث بهذه اللغة أن يستخدم ما كان مألوفاً وسهلاً وفي الوقت نفسه سليماً وصحيحاً.

عندما أراد الأصمعي إحراج الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور الذي كان يستغل موهبته في حفظ أية قصيدة من سماعها لمرّة واحدة بالادعاء أن قصائد الشعراء التي تلقى أمامه ليست جديدة بل هو يحفظها ليحرم صاحبها من الجائزة، ماذا فعل، تنكّر بلباس بدوي وألقى أمام الخليفة قصيدته الشهيرة (صوت صفير البلبل).

وفي هذه القصيدة أحضر القوافي الصعبة لفظاً ومعنى مثل: العقنقل.. وهو الكثيب العظيم أو الوادي المتسع، ومثل: عقيقلي.. وهو لون الخدود الشبيه بالعقيق الأحمر، ومثل: العرنجل.. الرجل الكهل الذي انحسر لحمه وبانت عظامه ويمشي كالأعرج.

وهذه وغيرها مما جاء في القصيدة التي نسبوها إلى الأصمعي كلمات صعبة، لا يتداولها إلا فقهاء اللغة العربية وأساطينها.

وإذا نظرنا إلى القصيدة بعين الناقد الباحث عن الشعر في القصيدة، فإننا سنحكم عليها بالفشل فليس فيها من الشعر شيء يلفت الانتباه، إنها مجرد بناء لغوي يهدف إلى وضع كلمات وألفاظ صعبة في اللفظ قصية في المعنى لإحراج الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، فهي من بحر مجزوء الرجز، ولا تخرج عن قواعد اللغة العربية ولكن أين الشعر؟ لا شعر.

ونحن اليوم في زمن تعاني فيه اللغة العربية من جفاء أهلها لها، والأجيال العربية الجديدة بعيدة عنها، قريبة إلى اللغات الأجنبية الأخرى.

وبعض شعرائنا مع الأسف ما زالوا يلجؤون إلى القوافي المستغرقة في القدم، وكأن هذه اللغة خلت من الألفاظ السهلة والصحيحة والمفهومة من الجميع.

وأنا أرى قبل أن ندرس أبناءنا معاني الكلمات والألفاظ الصعبة، علينا أن نجعلهم يستخدمون الألفاظ السهلة والصحيحة.

نريدهم أن يعرفوا أن اللغة العربية ليست معقدة وصعبة، بل هي سهلة في قواعدها ونحوها وصرفها، المهم كيف نشرح لهم هذه اللغة وكيف نجعلهم قادرين على التحدث بالفصحى والكتابة بلغة عربية فصيحة سليمة.

وللحديث بقية.

Email