حديث الجبال

ت + ت - الحجم الطبيعي

تجد نفسك في مقهى أنيق في مدينتك محاطاً بأجواء أعياد الميلاد، الديكورات والموسيقى وأغاني الأعياد، ما يمثل تجسيداً حقيقياً لروح التسامح في مدينة أصبحت تمثل العاصمة الجديدة للعالم، الناس هنا يعيشون أجواء أعياد الميلاد، كما في بقية أنحاء العالم، تستشعر المتعة والألفة مع تلك الأغاني القديمة، رائعة الراحل جورج مايكل تذاع بين كل أغنية وأخرى.

قد تعتريك موجة برد عاصفة، فيضطرب الفؤاد، يرتجف، وتنقلك الأجواء إلى مكان آخر، تجد نفسك في تايمز سكوير في مانهاتن، تتسكع بين المحال التجارية في الجادة السابعة إلى أن تصل إلى شارع برادواي، وسرعان ما تجد نفسك في سنترال بارك، وفي لحظات تجد نفسك وقد انتقلت إلى قارة أخرى، متدثراً من برد لندن بينما تتسكع في ميدان الطرف الأغر الذي فقد شهرته، وصولاً إلى شارع أكسفورد، لينتهي بك المطاف في شارع ادجوير رود، وسرعان ما تنتقل إلى باريس لتجد نفسك في ميدان الكونكورد لتخترق حدائق التويلري، قد تبدو الأحداث غير منطقية، لكنك تواصل التسكع حتى تصل إلى نهر السين، وتجد نفسك تقف ببلاهة أمام بوابة متحف اللوفر الهرمية الزجاجية، وفجأة تفيق على صوت زجاج يتهشم مرتطماً بالأرضية، فتتلفت حولك لتجد نفسك لا تزال في المقهى الأنيق وقد أوقعت فنجان القهوة الذي أمامك.

لا بد أنك تهذي، يا إلهي، لم تغادر مكانك، تتسلل خارجاً من المقهى، تتسكع في الطرقات، موسيقى الأعياد لا تزال تصدح في رأسك، تهرب من المكان، تبتعد عن الصخب، تبحث عن السكينة بعيداً عن ضجيج المدن، تجد نفسك بين الجبال وبين كثبان الرمال، بين البحر والصخر، في الطرقات الجبلية الخلابة، تتسكع طويلاً، تخترق البلدات والقرى، مسافي، دبا، ضدنا، وادي السدر، السيجي، البدية، قدفع، العقة، وقرى أخرى لم تعد تحفظ أسماءها، تتوغل بين الجبال، تتوقف قليلاً، تطفئ المحرك وأضواء السيارة، تترجل، تستمع لصوت الطبيعة، الهدوء والسكينة، تنصت، الجبال صامتة، هادئة، لكنك تفهم ذلك الصمت، ذلك الحديث الصامت، تفترش الأرض وتلتحف السماء، تتأمل السماء والنجوم، الصحراء تتحدث إليك، تناجيك، أنت هنا، أنت حيث يجب أن تكون، ثمة لسعة برد خفيفة، تشعل ناراً، تقبع أمامها، ألسنة اللهب تتراقص فرحة أمامك، ثمة موسيقى كونية تسمعها عبر مفردات الطبيعة، عبر الصخور، وعبر الكائنات البرية، تسري قشعريرة في جسدك، ويضطرب الفؤاد، تسمع دقاته، لكنه سرعان ما يستكين، ويهدأ، فقد وجد السلام في أحضان الطبيعة.

 

Email