لحظة الولادة..

ت + ت - الحجم الطبيعي

اعلم جيداً أن عند الوهلة الأولى لهذا العنوان سيراود البعض ما هذا الموضوع لنتحدث عنه ونناقشه، لكن هل تأملت وتمعنت فتلك اللحظات التي تمتزج وتتنوع فيها ألوان وأشكال المشاعر، ألم، فرح، بهجة، خوف، ترقب، تخطيط، خيال، توقع. أجل كل تلك المشاعر وأكثر لكن هل فكرت في مسيرة هذه الرحلة منذ بدايتها وكيف كانت تلك التجربة من تغير للمشاعر واستعداد لمرحلة جديدة تتطلب منا تغيراً داخلياً واستعداداً على جميع الجوانب الحياتية مادية ومعنوية والبعض أيضاً يرتقي بتثقيف نفسه ولا يعتمد فقط على ما نتناقله من أمهاتنا وأجدادنا.

رغم أني شخصياً وعن تجربة استفدت من الكثير وتعلمت أيضاً منه الكثير في عدم اتباعه فما صلح لمعطيات وقتهم لا يتناسب مع معطيات هذا الوقت، لنبدأ الرحلة وهنا ليست رحلة منفردة فهي تعتمد على أطراف عدة الزوج والزوجة ومن حولهم، وهناك تحديات كثيرة فتغير تلك الهرمونات وتغير شكل الجسم وتغير المشاعر كلها مؤثرات تؤثر في الزوجة وتنعكس على محيطها. لذلك على الزوج تفهم تفاصيل هذه المشاعر واللحظات.

ونأتي للحظة التي عنونت بها هذا الموضوع، وهي المرحلة الأخيرة للتجربة، للحظة المخاض، والألم والتنفس العميق المتقطع المختلط بألم لا يوصف بالحروف ولا كلمات ولا جمل، لبدا هوناً هوناً ويأتي كطلقة الرصاص فتحبس كل الأنفاس وتصبح في صدى الألم، وبعد ساعات من هذه المشاعر، هي زفرة واحدة لتخرج روح من روح، وتشرق حياة من حياة، وتختلط كل المشاعر، بدموع فرح، وضحكات وبكاء، ودعاء وحمد.

يا إلهي لا كلمات تحضرني لأصف دقة هذه اللحظة التي تلمس يداي ووجنتاي وجنة هذا المخلوق الذي بات شهوراً بين أضلعي، أراه بين يديّ، وأنفاسه الدافئة تداعبني، يا الله لحظة بالعمر كله. اللهم ارزق محرومنا وأطعمه من نعيم هذه اللحظة. هنا تكون لحظة الصمت لبداية جديدة وتحديات من نوع آخر. فكل هذه الرحلة لم نتعلمها إلا بالفطرة، وكل عزيمة ونجاح وقوة للاستمرار والبقاء هي فطرة خلقنا بها.

أجل كل تفاصيل حياتنا، هي لحظة ولادة، كل مشروع وهدف، كل دراسة وكل مرحة نمر بها، كل تحدٍّ وتجربة هي حالة لمخاض ومرحلة لانتظار هذا المولود، لم تكن مرحلة الحمل مرحلة سهلة، لكن نحن من نجعلها سهلة بإصرارنا وتقبلنا، استمراريتنا، وعندما يكون الألم يكون الانتصار والوصول وكلما كان الحزن يمر بغيمة ستأتي أمطار الفرح وتشرق الشمس. تخيل أن الأم تستسلم في مرحلة ما من رحلة حملها، هل سترى جمال لحظة اللقاء. هنا لا نعم ولا نخص هنا نحن نتكلم عما فطرنا عليه بنقاوة الشعور من الله تعالى.

استمتع بالرحلة، وتمتع بلذة الوصول والنتائج، واستقبل كل نجاح كاستقبالك لهذا المولود الجديد.

 

Email