المغالاة في الخصام

ت + ت - الحجم الطبيعي

بات الخصام مرضاً متفشياً بين كل التفاصيل والفئات في المجتمع، وتنوع بتشكله وبأسبابه التي إن تمعناها نجدها في معظم الأوقات لا تستحق عناء التفكير، فكيف نعطيها الاهتمام لتصبح خصاماً يفرق بين الروابط ويقطع العلاقات.

ورغم انتشار الوعي المجتمعي والأسري، والمبادرات التي ترسخ مفاهيم التسامح والأخلاق، ورقيّ التعامل على جميع الصعد، إلا أن الواقع يترجمها مفاهيم الأنانية والعدوانية والخصومة.

وكان الأعظم من مجرد الخصومة أو الغضب الذي هو بحد ذاته مرض يقتل الروح، ويجعل ألوان الحياة حالكة السواد، فيصبح من يتبنى هذه الأخلاق والعادات عدو نفسه قبل أن يكون عدواً للآخرين. وهنا نحن أمام أقوى أنواع الخصام التي تقود بصاحبها للهلاك الذاتي والتدمير النفسي. وللأسف هو قد لا يرى ولا يستشعر كل ذلك الدمار، حتى وإن كانت النتيجة دماره الشخصي.

الفجور في الخصام، نهى الله تعالى ورسوله الكريم عنه وربطاه بأنه يؤدي للنفاق، لأن صاحبه عادة يظهر عكس ما يبطن من شر وكره.

عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا أؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ»، فتجد كل همّ هذا الشخص هو أن يرى خصمه أو من يبطن له الكره في ضرر وهمّ، لكن ما نتيجة كل هذا سوى نشر التباغض والقطيعة، وتحول العلاقات لحسد وتدبير للأذى.

وبالفعل رأينا مثل ذلك في بعض العلاقات المجتمعية والأسرية كالأصدقاء ما إن يرى أحدهم خيراً أو نجاحاً لصديقه وبدلاً من تشجيعه والإشادة بمجهوده يعتقد هذا الشخص أنه أخذ مكانه ورزقه، ويبدأ بين نفسه إشعال نار الكره، وتبدأ غمامة سوداء تعمي عينه عن كل شيء وكل ذكرى وكل رابط جمع بينهما.

ولكن الأكثر ألماً عندما ترى هذا الفجور في علاقات الأسر، وخاصة إن كان هناك خلاف بين الأزواج أو انفصال، فينفجر بركان من أي منهما ونقصد من أثقل نفسه وبقي في نقطة لا يريد الحراك منها أو نسي قوله تعالى: «ولا تنسوا الفضل بينكم»، ويضرب بكل هذا عرض الحائط ليبدأ سلسلة متتالية من الهجمات بكل المهارات وتكتيكات الهجوم على الخصم، لا يرون أبناء ولا أخلاقاً ولا عطفاً ولا تسامحاً، لكن السؤال إلى متى؟ وما هي الفائدة من كل ذلك؟

فلو فكرنا أن يبقى الحب والتسامح عوضاً عن كل ذلك المجهود المستميت في تحطيم الطرف الآخر لكنا ملأنا بالسلام أرواحنا، واستغللنا كل تلك القدرات في إنجاز يفيدنا ويفيد المجتمع بالخير، وننشر أخلاقاً نشأنا بها وغرست في أرواحنا.

تسامحوا وتصافوا، فالحياة قصيرة لنضيعها في الخصام، واجعلوا الأجيال القادمة تحب وتعيش بالتسامح.

 

Email