موضة الطلاق..

ت + ت - الحجم الطبيعي

من العجيب في زمن تنوّعت فيه كافة وسائل الترف والإبداع والابتكار التي تصاحب كل زواج، وكل تحدٍ في تلك المراسم والمظاهر من بلد لآخر، ومن شخص لآخر لمسته أو حلمه في هذا الزواج. لكن اليوم، وفي وقتنا هذا أيضاً، أصبحت الصيحات أكثر أثراً وعمقاً، أصبحت مرضاً تفشى وتُنوقل بين العقول، دون معرفة تبعاته وما يترتب عليه، مجرد كلمة لا يلقي لها صاحبها أي هم أو تفكير.«الطلاق» وموضة الطلاق، صيحة جديدة من مظاهر العلاقات الاجتماعية، شعار مُشوّه للحرية والاستقلال، غمامة أعمت البصر والبصيرة معاً، لأهم قيم الإنسانية. زعزعت منظومة جميلة للاستقلال والحب، تشويه صورة لونت الحياة بأجمل التفاصيل، وهدم قيمة عليا لبناء المجتمع، وهي الأسرة.

لا أعلم هل أصفه جهلاً أم استهتاراً، رغم أن البعض عبّروا عن رأيهم الخاص، وقالوا مغامرة وتجربة جديدة، اختلطت المبادئ والقيم لتبرير عمل غير مقبول. رابط إلهي عبر الزمان، وفي كل الأديان والحضارات. بناء الأسرة التي تبني المجتمعات، البذرة الأولى لكل الحضارات. حديثي للفتاة والشاب على حد سواء، نعم، شرع الله الطلاق، ووضع له مقومات وأسساً ومبادئ، ووصفه بأبغض الحلال، لما فيه من ألم نفسي معنوي ومجتمعي ومادي، وخاصة إن كان هناك أبناء.

عندما كان الاتفاق وبدأت مراسم الاستعداد لهذا الزواج، أين كان التفكير، في زفة العروس، أم في بلد الاستجمام لشهر العسل، أم تجهيزات من هنا وهناك، أم أثاث وتحف. في ذلك الازدحام، هل توقف أحدكم، ولو لوهلة، وتعرف وتفهم الشخص الذي سيكمل معه هذا الطريق، هل أعطى نفسه نَفَساً عميقاً ليتخيل المسؤوليات المترتبة عليه، هل قرأ أو تثقف عن الطرف الآخر، كيف يتعامل معه ويتعامل مع هذه الحياة الجديدة بكل تفاصيلها، هل أخفت أصوات التفكير في الكماليات، ليتمتع ويتمعن في الأساسيات.

جميل أن نستعد بكل جميل، وبالشكل الذي حلمنا به، لكن الأجمل الاستمرارية بهذا الجمال، الحياة الزوجية مشاركة واحترام وتفاهم، حب وسلام، أخذ وعطاء، حياة توازن.

يؤلمني هذا المنظر في أروقة المحاكم، شباب في عمر الزهور، وأسباب عندما تروى لك لهذا الانفصال، يختفي الدم من عروق جسدك دهشة وتعجباً، أسباب لا تذكر، لن أحكم هنا، فكل يرى بعينه، وكل يعيش بطريقته، وآخرون يرون أنها تجربة ستقويهم وتعطيهم منظوراً آخر للحياة. لكن هناك تحديات، وصبر مثمر، ليس بالتنازل، بل بالتفاهم والاتفاق، هناك فرص وهناك تسامح.

كلمة لن تكون الأخيرة، لا يعني أن هناك آخرين أثبتوا للمجتمع تحملهم وصمودهم أمام عثرات الطلاق وكسوره، لكن ما زالوا مع بعض، ولهم ظروف ومصاعب تخصهم، فلا تقلد وأنت غافل أين يأخذك التقليد وأنت معصوب العينين.

فالعلاقات والروابط والقيم ليست موضة!

«موضة» الطلاق

د. ولاء الشحي

Email