عوالم المطارات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في المطار توقفت أمام الموظف البيروقراطي على شباك التأشيرة، نظر إليّ بصرامة مقلباً جواز سفري، أجرى اتصالاً مقتضباً وعاد ينظر إليّ، شعرت بأن قلبي يخفق بعنف، احترت، ترى في ماذا يفكر، ساورتني الهواجس والمخاوف ودارت بخلدي سيناريوهات سريعة، قلت مبتسماً: لا بد من أنها صورة قديمة تعود لأيام الشباب.

نظر إليّ نظرة فاحصة، فتمنَّيت ارتداء قناع يجعلني خفياً غير مرئي، وشعرت بأن الوقت يمضي بطيئاً، لا بد من أن هناك خطأ ما، أعرف أن مظهري بائس وقد يثير الريبة، ملامحي الشرق أوسطية كفيلة وحدها بتلفيق تهمة جاهزة، ولطالما تعرضت للتفتيش العشوائي بسبب المظهر، هذه ليست المرة الأولى التي أقف فيها في مثل هذا الموقف، لكنهم تأخروا قبل اتخاذ الإجراءات.

رسمت على وجهي ابتسامة عريضة ونظرت للموظف ببراءة، ثم قلت متملقاً، أعشق بلادكم الرائعة وهذه الزيارة الألف، لم يعرني اهتماماً، مواصلاً تمثيل دور الانشغال باستكمال إجراءات الدخول، ثم تناول ختمه ورفعه عالياً، فشعرت بالفرج، لكنه توقف في منتصف الطريق وقلب صفحات الجواز مرة أخيرة قبل أن يهوي عليه بالختم بضربة عنيفة.

مد يده بالجواز وهو يقول: إماراتي، أهلاً وسهلاً بكم، تناولت جواز السفر ونظرت حولي، وربما رفعته عالياً مفاخراً بأنني اجتزت بوابة الدخول.

المطارات عوالم غامضة، مخيفة، كأنها معابر وهمية بين العوالم الأخرى، تدخل في نفق وبعد عدة ساعات تخرج من نفق آخر لتجد نفسك في مكان آخر، مدينة أخرى، كأنه السحر، روَّادها إما واصلون أو مغادرون، هي اختصار لمعنى الحياة، بل قد تمثل نموذجاً مصغراً للحياة، بكل ما فيها من أفراح وأتراح، وعلى كل ما فيها من متعة وبهجة أو عناء وشقاء غير أنها تبقى منبعاً للسعادة، فهي الطريق للقاء الأحبة وهي البوابة للاستكشاف والمغامرة، وهي الطريقة الأسرع والأسهل للوصول إلى وجهتك.

تنفّست الصعداء بينما كنت أتجه للبحث عن الحقيبة، تلك قصة أخرى، فضياع الحقيبة أمر اعتيادي، لا بد من أن تكون مهملة في مكان آخر، لا بد من أن يتم تعذيبها لتعترف بالذي تحمله وإلى أين هي ذاهبة ومن أين قادمة، فكرت قليلاً، ترى هل هي مؤامرة ضدي، هل هو استفزاز تمارسه المطارات أو شركات الطيران ضد المسافرين أمثالي، تطاردك خيبات الأمل وتمضي غير عابئ، فقد اعتدت كل ذلك، ربما لأنك حالم تعيش في عالم خيالي ليس له وجود!

خرجت من المطار سعيداً متناسياً ما حدث، تنفست الهواء النقي، فشعرت بروح المغامرة تسري في شراييني، فركبت سيارة أجرة وانطلقت لاستكشاف المدينة.

Email