مردف

ت + ت - الحجم الطبيعي

في دبي منطقة سكنية مرتفعة سُميت مردف، وهي تلة رملية نظيفة جداً برزت عَمَّا حولها، بعد أن صاغتها الرياح وشكلتها كبطن رملي منتفخ ومتماسك، لكونها تمتص تكوّمات المطر من على سطحها فلا تتراكم، لتبقى فقط رطبة وناصعة، وبالمقابل كانت المناطق السكنية حولها تطفح أزقتها بمياه الأمطار، وهكذا تبقى مردف عروساً لامعة تدلل الشمس رملها الذهبي بعد بلل، وتشجع من يسكنها على الخروج بالأقدام بين أشجار الغاف العجوز الندية المتناثرة، فبلا شك لديها ما تكفي من العافية لتعطي من يجاورها وهي المتفرعة في الهواء دون تقليم أو تشذيب كطبيعتها الحرة، بعد أن منحت خصوصية بقائها في بلادي، فمن يقطع في إماراتنا الجميلة شجرة الغاف الوقورة يعاقب قانونياً ومالياً، لتواصل الغاف مع أوراقها التي تساند مناخ مردف بامتصاصها الغبار عطفاً على أهلها منذ أن استوطنوها في نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وهم القادمون من مناطقها المجاورة أو أثرياء الحال حباً لسكونها وصفاء جوها.

لم تكن مردف بمعزل على الرغم من بُعدها عن مركز المدينة، لكن حينها لم يعتد الناس هذا البعد السكني، لكنها تميزت في ارتفاعها ووضوحها ورملها المغسول في الشتاء والنظيف في الصيف. أصبحت فاتنة للعيش فيها، فإلى الآن يتذكر أهالي مردف الأوائل كيف كانوا يرون بناية مركز دبي التجاري واضحة من شرفاتهم المفتوحة غرباً من مردف.

من جهة كل مَن يسافر بالطائرة لابد من المرور على مردف، يرى حدائق بيوتها من نافذة الطائرة بكل وضوح، ومن جهة أخرى يحفظ أهل مردف حركة الطائرات العابرة فوقها، بأنواعها وأسمائها، ومع كل هذا كان اللافت أمام كل هذه الأصوات من الطائرات أن المكان داعياً للتأمل والقراءة حولها وبين هضابها ومنازلها الجديدة المتباعدة التي كانت تبنى حينها، فحتى نهاية الثمانينيات كانت النوق تحوم حول المنازل بأريحية إلى أن يأتي راعيها من الأطراف لأخذها.

وأخيراً ثمة ما في مساء مردف ما كان يصبح رائقاً كأهله، حيث تنتشر ذبذبات المذياع بين المنازل ويأتي ما هو بعيد من أهلها، كإذاعة صوت العرب من مصر بعد منتصف الليل ليذيع برامجه الاجتماعية المرحة، ويأخذ التردد من الذهاب والإياب مع الريح لتداهمهم أصوات موسيقاها والشعر في لينه ومدّه.

وهكذا حتى أتى أهل مردف، وهم أوائل من سكنها من المواطنين للعيش فيها، من هؤلاء عائلة الجزيري، والخاجة، وحسن بن الشيخ، والأشرم، وعبدالغفار حسين، وبن عيد الشعبي، والهاشمي، والبنا، والشملان، والكمالي.. مجتمع العائلات هناك يفيض بحكاياته «المردفية»، رغم قلة أعدادهم حتى اليوم أمام كثرة المساكن المستأجرة للعائلات العربية والأجنبية و«المولات» التجارية وخدمات لا تحصى باتت تأتي بمن حولها من المناطق المجاورة للتسوق والاستجمام.. أصبحت مردف مقصودة ومرغوبة بعد أن كانت توصف بالبعيدة.

Email