البصر والبصيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

قال الله تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

تلك النظرة التي تجعلك ترى كل شيء حولك، كل شيء مادي وملموس، الصور الخارجية، أو ما أسميه القشور. نظرة واحدة قد تكفي صاحبها ليجمع أكبر عدد من المشاهد والصور والتفاصيل والألوان، وكما نعلم علمياً تنعكس تلك الصورة بشكل ما للعقل، لكن تبقى صورة خالية من كل المشاعر رغم أن بعض الصور تضج بتلك المشاعر، لجمالها أو ما تحمله من آلام.

نعتقد أن تلك النظرة كافية لنُصدر بها أحكاماً، ونقارن ونضع الظنون، أهي كافية لنبقي العدل بين الناس بظواهرهم، ونجني على آخرين، أم هي كافية لنثقف هذا ونجعل من آخر جاهلاً لا يعلم من العلم شيئاً؟!

هو بصر خالٍ من المشاعر والأحاسيس.. نظرة لصورة لو أغمضت عيني قد أنسى تفاصيلها، مع أن البصر أحد الحواس الخمس، أي أنه يرتبط بما نشعر ونحس، وهذه حكمة الرحمن، فهناك الكثيرون ممن فقدوا نعمة البصر، لكنك ترى في أخلاقهم ومشاعرهم ما فقدوه من يبصرون.

فتلك القلوب تعقل ما تراه الأعين، والقلوب التي ترى، وهي شيء أعمق بكثير من نظرة عابرة، لكن البصيرة التي ترتبط بعمق الشيء ودواخله وحقيقته الروحية، وكان قول الرحمن: (فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ).

قف وقفة مع نفسك قبل أن تصدر حكماً على أي شيء تراه عينك، وتمهّل عندما تبدأ مشاعرك تنسج بداخلك شباكاً قد تسجنك بظلم أو حقد أو حسد. مؤلم أن ترى البعض يعيش في ظلام دامس رغم بصره، فهو لا يرى سوى ما يريد أن تراه نفسه من نقص وتذمر وشكوى. والأكثر إيلاماً أن ينفذ أحكامه هذه ويدمر ما حوله.

وبصرك ينعكس بصورة مادية، أما بصيرتك فتنعكس على كل تفاصيلك، أخلاقك، عملك، أفكارك، وحتى صحتك، لأن كل عالمك مرتبط بروحك، وروحك ارتبطت ببصيرتك.

والبصيرة فهم عمق الأشياء وباطنها، وهي الفطنة والاستقامة في الأمور، ولنتأمل عظمة اسم الخالق (البصير) سنرى من أين أتت البصيرة، فالرحمن يبصر علَننا وباطن أمورنا.

استمتع ببصرك الذي يخدم بصيرتك، واجعل حياتك درباً لمعرفة ذاتك وتقرب إلى نفسك وتعقّل بقلبك الطريق للنور والطريق للبصيرة.

Email