هل تتراجع الثقافة؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

أقصد، هل تتراجع الثقافة الجادة ؟

ماذا لو لم يحقق الكتاب الجاد الربح؟ بين صناعة الكتاب وصناعة الربح وهما قطبان شريكان ما صنع الحداد، وبين اليوم والأمس ونحن حتى على أعتاب عالم حداثة وما بعد الحداثة لن يكون مستهلك الثقافة إلا مخيرا. ليرفع، جيلنا الشاب خاصة، عن نفسه تهمة التخلف. والواقع أن الثقافي اليوم هو ما تفرضه علينا ثقافة هذا الجيل العالمي النزق وأوله ما نلمسه في مشهدنا الثقافي الإماراتي، إذ لم يعد الإنسان اليوم هو نفسه، عهدا جديدا وشكلا جديدا للحياة وللثقافة تكون في ظل حداثات أتت سريعة ومتلاحقة دون أن نشعر، صار التركيز فيها على المعلومة ووصولها إليه مؤتمتة، إلكترونية، كونية، مع تحديثها في أية لحظة شاء لتكون الحداثة مزاجا عاما، ولتجد صناعة الكتاب الوطنية نفسها أمام مفترق طرق، تحدٍّ كبير يلزمها بأن تتعاطى مع الواقع.

وكما يرى الإنسان منا أنه بعدما كانت الكتب تنشر في الخارج في سبعينيات وثمانينيات وما قبل منتصف تسعينيات القرن الماضي، أصبح جيل اليوم أقرب إلى صيغة «النشر الذاتي» وبطولات وسائل الإعلام الاجتماعية، هكذا تُرفض أشكال الكتابة والنشر حسب التقاليد القديمة. شيء انتهى وحل محله شيء آخر لكن دون أن يكون هنالك استعداد أو حلول جديدة تعمل كضربة وقائية تستخدمها الثقافة، ليرتبك المشهد وتطفو على السطح ثقافة قد تتساءل عن الكيفية التي يمكن التعامل من خلالها معها، ندوات ومحاضرات ومؤتمرات ولا شيء مقابل ثقافة غيرت فينا كل شيء وهي تفتقد صراحة إلى أقل مواصفات الثقافة لا في مضمونها الفكري فقط، ولكن حتى في جمالياتها وتأثيرها في مشاعرنا.

قبل أيام أثناء انعقاد «ملتقى أبوظبي للنشر» ربما تذكر أحدنا تلك المشاريع الثقافية النوعية التي بدأت بالتصدي المبكر لمشكلات الثقافة والكتاب، تحديدا «مشروع المجمع الثقافي» منها، بدأ صغيرا حقيقة لكن كان وراءه طموح كبير، وكان مشروع النشر أحد همومه وهموم مؤسسيه (ماكيناته الثقافية) ومنهم من فقدناه. اليوم يؤكد المسؤولون عودة برامجه إلى الواجهة، وبعد أكثر من خمسة وعشرين سنة يُلتفت إلى الوراء، لأن صناعة النشر بحاجة إلى ثقافة جادة أكثر منه ربحا تجاريا. شيء يؤهل لصناعة عقل جمعي، يعبر من خلاله مجتمع الحداثة عن نفسه بشكل أكثر جدية. صراحة، مؤسسات الثقافة مطالبة بأن تلعب دورا أكثر حزما، يعيد التوازن إلى أقطابها بعدما أثقل التفكير في الربح كفة ميزان مشهدنا الثقافي في لعبة شبيهة بخداع العقل.

Email