تواجه البيئة البحرية بالساحل الشرقي مشاكل ومخاطر عديدة تؤثر على صحة الإنسان والكائنات البحرية نتيجة تسرب النفط من الناقلات وانتشار البقع الزيتية الخطيرة من مخلفات ونفايات زيوت محركات السفن والقوارب في البحر إضافة إلى ملوثات أخرى، حيث شهدت الأسابيع القليلة الماضية عدداً من حوادث التلوث النفطي وتركزت تحديدا في عدد من مناطق الفجيرة هي دبا الفجيرة وقدفع ومربح وضدنا إلى جانب مدينتي خورفكان وكلباء.

المشكلة عادت من جديد خلال الأيام الماضية إلى دائرة الاهتمام، حيث أن شواطئ المنطقة ما زالت تتعرض لموجات من البقع النفطية، بصورة متكررة يصعب التعرف على حجم هذا التلوث ونسبة المخالفات الناتجة منه إلى جانب صعوبة التحكم بالتلوث النفطي أو منع انتشاره، حيث أنه خطر عائم ومتحرك يتحكم فيه اتجاه الرياح وعوامل المد والجزر والتيارات البحرية وشدة الأمواج وبذلك تصعب السيطرة عليه.

الإحصاءات غائبة وبالعودة إلى بعض وقائعها نجد أن آثار تسرب النفط إبان حرب الخليج الثانية 1991 أثر بشكل ملحوظ على البيئة البحرية في المنطقة، وثمة حوادث أخرى كثيرة تجعل من المستحيل إجراء إحصاءات دقيقة عن التلوث البحري بالبقع النفطية كما لا يمكن حصر كل الأضرار التي تسببها للشعاب المرجانية والكائنات البحرية والطيور البحرية ـ كما أشارت مصادر بيئية. وعلى الرغم من توقيع اتفاقية ماربول الدولية في شهر يوليو 2007 على اعتبار منطقة الخليج منطقة خاصة يمنع إلقاء المخلفات والنفايات الأخرى الناتجة من السفن والمصانع في الأنظمة المائية بل يتم إلقاؤها في مرافق استقبال خاصة بغرض القضاء على التلوث المتعمد للبيئة البحرية بالزيوت وغيرها من المواد الضارة والتصريف العرضي لمثل هذه المواد طبقا للاتفاقية الصادرة من المنظمة البحرية الدولية. حيث سيكون القرار ساري المفعول اعتبارا من يوليو من العام الحالي، ناهيك عن الجهود الكبيرة التي تبذل من السلطات المعنية المحلية والاتحادية بهذا الموضوع من أجل المواجهة والتخلص من البقع والزيوت النفطية.

إلا أن الأمر يثير علامات استفهام كثيرة حول مدى جدية امتثال تلك الجهات المعنية لطبيعة هذه القرار، وهل الغرامات المالية وحدها كافية إذا ما قيست بمقدار التلوث وبحجم العقوبات التي قد تصل إلى حد الإعدام في عدد من الولايات الأميركية لصاحب السفينة على اعتبار أن ختم المخالفة ليس نهاية المطاف بالنسبة للمخالفين.وعن دور الجهات المختصة في الرقابة على ضرورة توافر تلك الاشتراطات الفعالة والحقيقية حتى لا نستيقظ يوما على سماع كارثة نفطية في البحر. وحذر تقرير دولي من خطر التلوث النفطي بالخليج على مياه الشرب بالمنطقة، حيث أنه في القريب العاجل سيكون من الاستحالة معالجة مياه البحر واستخدامها بغرض الشرب وفقا للتقرير الذي أصدره الاتحاد الآسيوي للمياه المعبأة في ضوء عدم القدرة على مواجهة مشكلة التلوث المتزايد لمياه الخليج وإيجاد الحلول المناسبة لها.

كما طالب الصيادون بالمنطقة الجهات المسؤولة بضرورة مراقبة نسبة التلوث في المياه وخاصة أنها مصدر رزقهم الوحيد خصوصا في الأماكن التي تتكرر فيها حالات التسرب باستمرار، مشددين على ضرورة معرفة الأسباب الحقيقية وراء تكرار التسرب النفطي الذي قد يهيئ الفرصة لإيجاد الحلول التي من شأنها أن تعمل على وقف هذا التسرب إلى جانب فرض عقوبات رادعة من غرامات وإجراءات قانونية صارمة ضد المخالفين بما فيها السفن العابرة والتي تلقى بمخلفاتها في المياه دون رقيب.

شبكة لحماية البيئة البحرية

أفاد معالي الدكتور راشد أحمد بن فهد وزير البيئة والمياه في تصريح له أثناء الحلقة النقاشية بشأن قرار مجلس الوزراء رقم (20) لسنة 2008 المتعلق بتنظيم أنشطة قطاع المحاجر والكسارات ونقل منتجاتها مؤخرا، إلى خطة هامة لحماية البيئة البحرية تقر خلال عام، حيث ستكون هناك شبكة متكاملة لحماية البيئة البحرية من التلوث النفطي علاوة على تفعيل اتفاقية ماربول الدولية.

من جانبه قال الدكتور سعد النميري المستشار البيئي بالهيئة الاتحادية للبيئة بأن دولة الإمارات العربية المتحدة اهتمت بالبيئة البحرية وأولت اهتماماً خاصاً بهذا الجانب باعتباره الإطار الذي يقوم عليه العمل البيئي السليم، وشمل الاهتمام بالبيئة البحرية أيضاً الاهتمام بثرواتها الحية خاصة الثروة السمكية، باعتبارها أحد روافد الاقتصاد الوطني في دولة الإمارات العربية المتحدة.

ومع تنامي الاهتمام بالبيئة على الصعيدين المحلي والعالمي وبهدف استدامة هذه الثروات للأجيال القادمة فقد بذلت الجهات المعنية في الدولة الكثير من الجهد في هذا المجال ووضعت التشريعات اللازمة له.

وقال المهندس علي قاسم رئيس قسم حماية البيئة وتنميتها ببلدية الفجيرة إن البلدية تبذل قصارى جهدها لمكافحة التلوث البحري والتصدي لهذه الظاهرة الخطيرة والمستفحلة، وضبط الأشخاص والجهات التي تتسبب في تلوث البيئة لاتخاذ الإجراءات اللازمة من أجل إزالة هذا التلوث.

لافتا إلى خطط سريعة وفعالة تم وضعها لمواجهة الطوارئ والأخطار البحرية الملوثة مثل إنشاء شعبة مكافحة التلوث البحري داخل قسم حماية البيئة وتنميتها وتدريب وتأهيل أفراد قسم حماية البيئة على مواجهة أي نوع من أنواع التلوث إلى جانب الاستعانة بالإمكانات والكفاءات الفنية المؤهلة والمدربة واستخدام الأجهزة المتطورة (هي قاشطات زيوت.

ومنظف الرمال، وخزانات عائمة كبيرة وأخرى ثابتة على الشاطئ، حواجز واقية للبحر والشاطئ وسيارات لتنظيف الشواطئ من المخلفات غير النفطية) فضلا عن وضع خطة طوارئ محلية لمواجهة التلوث البحري وللحد من انتشار البقع والتسربات النفطية والتقليل من آثارها، إضافة إلى توقيع اتفاقية مع شركة أجنبية لخدمات البيئة حرصا على مكافحة جميع أنواع الملوثات بالسرعة القصوى.

وأشار إلى أن أهم أسباب تلوث البيئة البحرية في المنطقة عائد إلى النفط المتسرب من المياه الدولية وخصوصا الناتج من مياه التوازن وغسيل السفن بالإضافة إلى مخلفات البواخر الثقيلة الخاصة بالتصدير والاستيراد وأيضا مخلفات نزلاء البحر،.

مضيفا بأن هذه الملوثات تحتاج إلى تضافر الجهود وتعاون وتنسيق بين الجهات المعنية داخل الدولة وخارجها عند الحدود الإقليمية والدولة المجاورة كذلك حتى يمكن الحد منها.

فخطرها لا يهدد المنطقة فحسب بل السواحل الإماراتية والمجتمع الدولي في الخليج العربي لان امتداد هذا التلوث يمكن أن يصل إلى عدة كيلومترات، داعيا إلى ضرورة الإبلاغ فوراً عن أي تسرب نفطي يتم ملاحظته وذلك بالاتصال بمركز الطوارئ الرئيسي بقسم البيئة التابع لبلدية الفجيرة على مدار أربع وعشرين ساعة.

المؤذن: الاجتهاد حول حجم الكارثة لم يصل إلى إجابات وافية

قال الدكتور سلطان المؤذن عضو المجلس الوطني إن الاجتهاد حول حجم الكارثة في التلوث البحري ومدى تأثيره على المنطقة بشكل خاص، لم يصل بنا إلى إجابات وافية لأسئلة كثيرة متعلقة به، إلا أنه من الضروري إخضاع المنطقة لجهاز رقابي للمراقبة والمتابعة الدقيقة حتى يتسنى معرفة الأضرار الحقيقية وسبل علاجها.

إلى جانب توفير مرافق معدة وخاصة لاستقبال مخلفات السفن عن طريق إبراز شهادة التخلص من النفايات لتلك البواخر، وإلزامها كذلك بالتصريح بمقدار الحمولة وخصوصا بالنسبة للبارجات العسكرية المعتمدة على الطاقة النووية. إضافة إلى توفير جهاز تتبع حركة جميع المراكب بغرض كشف هوية المركب المتسبب بالتلوث وإلزامه بالتخلص من آثاره وإعادة تأهيل المناطق التي تم تلويثها.

فضلا عن ضرورة تفعيل الإجراءات والقرارات الرقابية سواء الوطنية أو على النطاق الدولي أو بين البلدان المجاورة الأخرى، بتحديد تلك المسؤوليات والآليات والمسببات من خلال التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية ممثلة بوزارة البيئة والمياه والهيئة الاتحادية للبيئة وحرس الحدود وبلدات وموانئ المنطقة وجمعيات الصيادين ومحطة تحلية المياه في الفجيرة.

ومن جهة أخرى أشار المؤذن إلى أن مخلفات السفن ومياه الموازنة في ناقلات النفط مصدر أساسي في تلويث المياه بمشتقات النفط التي تؤثر بصورة أساسية على البيئة البحرية.

وأوضح مصدر من مؤسسة النقل البحري بأبوظبي إلى الحالات البحرية التي تسبب التلوث ومنها اصطدام السفن وجنوحها أو حريق أو انفجار يصيب السفن أو منشآت النفط البحرية ومخلفات ونفايات المراكب أو أية حالات أخرى ينتج عنها تلوث خطي أو تهديد وشيك بتلوث خطير للبيئة البحرية.

وأوضح بأن مشكلة التلوث النفطي قابلة للسيطرة والمعالجة من خلال التعاون والتنسيق بين الجهات المعنية وتفعيل القرارات والاتفاقيات المحلية والدولية على حد سواء.

لافتا إلى ضرورة إقامة تدريب عملي حي حول التلوث النفطي في مواقع مماثلة خارجية يعتمد على خطة معدة للمعالجة والتقييم، إلى جانب وضع سيناريو لإدارة التسرب النفطي والطوارئ بالتعاون والتنسيق فيما بين الجهات المعنية في الداخل والخارج بتخصيص الأفراد والمعدات اللازمة لمعالجة الحالات البحرية الطارئة بهدف منع أو تقليل أو إزالة التلوث لحماية البيئة البحرية.

أخطر الملوثات

يعتبر الزيت النفطي من أخطر الملوثات الضارة بالبيئة البحرية والقاتلة للكائنات الحية، كما أن مياه التوازن ومخلفات السفن التي تقوم بطرح نفاياتها ومخلفاتها النفطية لتتقاذفها الأمواج والتيارات البحرية بالقرب من الشواطئ لتستقر على الرمال من أكثر أنواع التلوث انتشاراً في مياه الخليج.

ويعد الخليج العربي من أكثر الممرات المائية تلوثاً وتأثراً بهذه البقع النفطية لمجاورته للآبار، ولكونه ممراً للناقلات التي تشحن حمولتها على شواطئه ـ لتشكل 45% من مصادر التلوث البحري.

كما أكدته دراسة خليجية، حيث يمثل النفط المتسرب من الناقلات 28% من إجمالي النفط المتسرب إلى مياه الخليج العربي والذي يبلغ معدله حوالي 140 ألف برميل سنوياً.

الساحل الشرقي ــ ناهد مبارك

تصوير: محمد منور