عندما تتحول السيارة إلى مطعم

أميركا أم الوجبات السريعة

ت + ت - الحجم الطبيعي

أميركا هي «أمة الطعام السريع»، هكذا وصفها كتاب شهير صدر في نيويورك منذ عدة سنوات، والمفهوم بالطبع أن الوصف السابق يصدق على مطاعم «الهامبورغر» بكل ما تقدمه لمرتاديها من وجبات مقّننة، بمعنى أنها مرتبة سلفاً، وبمعنى أنها باتت تروق لأذواق الأجيال الجديدة، لا من الشباب وحدهم، بل ومن الكبار أيضاً، وإن كان الكتاب الذي ألمحنا إليه يؤكد أن الهدف من هذه المطاعم السريعة كان ولا يزال يتمثل في الأطفال الذين إذا اتخذ أي منهم قراراً باختيار هذه الشطيرة أو ذلك المشروب فالأسرة كلها تنصاع وتبادر إلى تنفيذ الطلب.

تأتيكم أينما كنتم

وفي ضوء هذا التركيز على مطالب وأذواق الطفل، باتت مطاعم الوجبات السريعة تضم ملاحق وحدائق صغيرة حافلة بالألعاب وبالهدايا المقدمة للأطفال، فيما تقدم الوجبات من خلال أدوات التناول البلاستيكية وتحفل بشطائر الخبز البالغة الليونة بحيث تتناولها أنامل الأطفال.. بل ابتدع المختصون «مصاصة» السوائل إياها التي تتيح للأطفال تناول المشروبات والعصائر بغير مشاكل لا للصغار ولا للأمهات على السواء.

كل هذا مفهوم ولا يضيف جديداً.

لكن الجديد هو أنك في بلد مثل «أميركا» لم يَعُد الزبون يقتصر على طلب الطعام الذي يصله إلى منزله أو مكتبه على طريقة «الدفري» المألوفة: لقد أصبحت الوجبات تحرص علي الالتقاء بسيادة الزبون في أي مكان يوجد فيه. في زوايا الشارع. تحت شجيرات الحديقة العامة. في نوبات العمل بالليل أو بالنهار. بل وهو جالس إلي مقعد القيادة في جوف السيارة.

قاضية المحكمة

الأمريكان، خاصة في مدينة لا تنام ولا تهدأ مثل «نيويورك» حريصون علي أن لا يضيعوا وقتاً ويساعدهم علي ذلك سرعة التلبية التي اشتهرت بها مطاعم المدينة الكبيرة..

في هذا السياق ينقلون عن شخصية مرموقة بكل المقاييس، هي «سونيا سوتو مايور» قاضية المحكمة العليا، مقارنتها بين البطء في مطاعم العاصمة «واشنطن» حيث مقر عملها بالطبع.. وبين سرعة الإنجاز الخاطفة في مطاعم «نيويورك».. تقول القاضية الموقرة: أنا أطلب طعامي في «نيويورك» فإذا به عند بابي خلال عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة أما في «واشنطن» فالمسألة لا تستغرق أقل من 45 دقيقة بأي حال من الأحوال.

وإذا كان أسلوب «الدفري» إياه قد أصبح مفهوماً ومألوفاً فالجديد- تقول الصحفية «فيفيان يي»- هو أن الناس في زمن الهواتف الذكية باتوا لا يترددون في طلب أي صنف تطلبه معدتهم فإذا بالطعام المطلوب يصلهم خلال وقت وجيز.. وفي أي مكان يتواجدون فيه. لم يعد التسليم عند باب السكن أو مداخل المكتب ولا حتي في مكان له عنوان يدلي به الزبون للمطعم المختار.

حسبك أن تستخدم هاتفك الذكي. وتذكر الصنف المطلوب. ثم تحدد البقعة. أي البقعة التي أنت فيها.. سواء كانت حديقة عامة.. أو شاطئ البحر، أو حتى زاوية شارع مزدحم يستغرق اجتيازه وقتاً يمكن استثماره في التهام طعام الإفطار الذي يأتيك لفوره كامل الأوصاف متعدد الأصناف.

عمال التوصيل

وهنا تنقل الكاتبة الأميركية عن زبون اسمه السنيور «دياز» وهو بائع في متجر للأحذية يأتيه إفطاره الصباحي وهو في السيارة، وإذ تفوح من الأصناف رائحة الشواء، يقول صاحبنا إن السيارة تصبح أقرب في رائحتها إلى المطعم.

مع ذلك، فلا يزال هذا الأسلوب المستجد في جلب الطعام.. يحفل بعدد من المشاكل. صحيح أن الزبون، الجائع طبعاً، سيجد طلبه وقد تمت تلبيته في سرعة خاطفة.. لكن كان الله في عون عمال التوصيل الذين ينطلق الواحد منهم حاملاً الأصناف التي يمكن أن يكون طالبوها موجودين وسط حشد مزدحم في تظاهرة أو في جمع كثيف في ساحة مهرجان.. فما بالك عندما يكون طالبو الوجبات السريعة، بل هي الخاطفة، فريقاً من أفراد الشرطة الموجودين فوق متن قارب بخاري يشق أمواج عرض النهر الذي يحف بضواحي المدينة.

Email