شيخ الفتنة

ت + ت - الحجم الطبيعي

شهد العالم خلال شهر رمضان الفائت حوادث دموية، أدت إلى قتل الأبرياء في مواقع عديدة، وفي سياق متواصل لما قبل الشهر الفضيل من حوادث إرهابية، وقودها الأبرياء الذين يدفعون الثمن في كل مكان، حتى وصل الأمر بهؤلاء القتلة إلى أن يمتدوا بجرائمهم إلى المسجد النبوي الشريف، مثلما امتدت سابقاً إلى الأسواق والمطارات وكل موقع آمن يرتاده الأبرياء في هذا العالم.

لقد آن الأوان ألا يتم التعامي عن تلك الجرائم، إذ لا يكفي نقدها ولا التنديد بها ولا بمن خلفها من مخططين ومنفّذين، بل الذهاب إلى أصل الداء المتمثل في وجود تغطيات لهذه الجرائم، عبر تقديمها باعتبارها قربى إلى الله، ونوعاً من الموت المقدس، ولولا الفتاوى التي تحرض الشباب، لما وقع كثيرون أسرى في يد التنظيمات الإرهابية التي تتلاعب بعقول ووجدان هؤلاء، وتحوّلهم إلى وسيلة لهدم بنية هذه الأمة.

أسهمت الفتاوى المنفلتة في هذا الخراب، وأمام أعيننا نسمع فتاوى شيخ الفتنة يوسف القرضاوي التي تبرر الانتحار والعمليات الانتحارية عبر تفجير الجسد لقتل الأبرياء، وهي مسؤولية يتحملها شخصياً وكل من هو على شاكلته في إشعال هذه الحروب، حين يطلقون الفتاوى ويعبثون بوعي البسطاء، فيما هم شخصياً يعيشون بثراء هائل ويتنعم أبناؤهم برغد العيش، مفضّلين أن يضحوا بأبناء غيرهم على مذبح صراعاتهم الدموية، في دليل ساطع على كذبهم وعدم صدقية دعاواهم المريضة التي يمتد ضررها إلى حياة المسلمين وسمعتهم في كل هذا العالم، إضافة إلى الأضرار التي تلحق بالبشرية والإنسانية، وهي أضرار لا يقبلها كل عاقل وإنسان.

وسط هذا المشهد، تتورط كثرة في الشراكة في تأجيج الإرهاب، عبر قيام أسماء بالدفاع عن مشايخ الفتنة وتجييش الحملات دفاعاً عنهم، وبدلاً من الدفاع عن ذات كينونة الإسلام وسمعة المسلمين وأمنهم واستقرارهم وعلاقتهم بالأمم، يتم الانكفاء نحو تعظيم رمزية من يفتون للموت وتصنيع هالات مزيفة حولهم، باعتبار أن نقدهم غير جائز، وهذا إحلال خطر، وتقديس آثم بكل ما تعنيه الكلمة، فلا أحد فوق النقد، خصوصاً حين يكون هؤلاء سبباً في سفك دماء الأبرياء، وتقديم نسخة مزورة عن ديننا وأمتنا أمام هذا العالم الذي يرقبنا.

في كل مرة، نكتشف مجدداً أن للإرهاب رجاله ورموزه ومحركاته، وليس أدل على ذلك من تسخير الإعلام الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، من أجل الحض على الموت، وتكريس الكراهية، واستسقاء اللعنات ضد المنطقة، وتحويلنا إلى مجرد أمة مشبوهة مشكوك فيها وفي دوافعها، وهذا هو الثمن الأكبر الذي يضاف إلى كلفة الدم وهدم الحياة، وتقديم القرابين للشيطان باسم الله، عز وجل، حاشا أن يرضى بأفعال كهذه قربى له.

لم يعد مناسباً أبداً السكوت ولا أنصاف الحلول، ولا التعامي عن الحقائق المرة التي تتنزل على واقعنا، ولا بد اليوم من أن نقف كلنا على قلب مبدأ واحد، في وجه هذا الظلام والذين يغذونه بفكرة أو مال أو سلاح، أو فتوى يتم تخليقها في مختبرات الموت الأسود، فهذه أمة تستحق الحياة، ولا بد من تحرير الإسلام من يد خاطفيه، إذا كنا نغار عليه حقاً، فالحمية هنا واجبة، من أجلنا وأجل الإنسانية معاً، ولنتذكر أن الله الموصوف بالرحمة لا يمكن التقرب إليه بكل هذا الموت، حتى لو تمت شرعنته بعناوين مقدسة لا أصل لها ولا جذر.

Email