بعد الدمار الذي شهدته المواقع الأثرية السورية نتيجة للصراعات العسكرية، قام أخيراً عدد من الفنانين السوريين بصنع نماذج مصغرة من الصروح المعمارية الأثرية لبلادهم ضمن مشروع أطلقوا عليه تسمية «سوريا تاريخ وحضارة»، المشروع يخلق الانطباع بأنه دعوة للاحتفاء بحضارة سورية وإنجازاتها، لكنه في واقع الحال سيشكل أيضاً إحياء لما صنعته الحرب في تلك البلاد.

يقول المسؤولون عن المشروع إنه يهدف إلى تعريف الشعب السوري بآثارهم عبر صناعة نماذج مصغرة عنها، ليتذكرها الأجيال، على أن يستكمل العمل لاحقا بتجسيد «جحيم الحرب» كي لا يتم نسيان ويلاتها.

«كي نتذكر» أو «كي لا ننسى» جملتان تبدوان متشابهتين، فالإجابة عن مرادف كلمة «أن نتذكر» هي «أن لا ننسى»، لكن علماء الآثار لديهم رأي آخر في ذلك، بل ويذهب بعضهم إلى وضع هاتين العبارتين في سياق اتجاهين متناقضين تماما.

يقول هؤلاء إنه عندما نقصد أن نتذكر، فإننا نعمل على بناء ما يدفعنا للاحتفاء بانتصاراتنا وبطولاتنا وإنجازاتنا، لكن عندما نقصد أن لا ننسى، فإننا نعمل على بناء ما يمنعنا من نسيان ذكرى أحداث فاجعة. ونحن سنحتاج في المستقبل أن نبكي معالم سورية الأثرية الضائعة.

فما تنقله وسائل الإعلام المرئية عن حجم الدمار هو فوق الطبيعي، ليس فقط لآثار البلاد القديمة في تدمر وغيرها من المواقع، بل أيضا لألوف المباني والمنازل القديمة في المدن السورية. كل هذه المدن ستصبح أثراً من الماضي، ومدن سورية ستتحول إلى شيء مختلف تماما في المستقبل.

لكن لا جدل بأنه في سوريا اعتبارات أهم بكثير من الحفاظ على الآثار والتراث، فحجم المعاناة الإنسانية رهيب، وأعداد النازحين لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وإعادة بناء ما تهدم تبدو شبه مستحيلة، فكيف باستعادة معالم أثرية أو معالم المدن القديمة، وإن كان الأمر ممكنا بحدود ما.

كان أحد علماء الآثار قد عبّر عن إعجابه بالآثار السورية قائلاً: «لكل إنسان وطنان.. وطنه الأم وسوريا»، وتدميرها سيبقى شاهداً على ما تقترفه يد الاستبداد والهمجية؟