تعليم وترفيه

ت + ت - الحجم الطبيعي

من الملاحظات اللافتة، أن أولوية العلم في العالم العربي كانت في أفضل أحوالها مع الأجيال العربية التي نشأت في الأرياف والبادية، محرومة من التعليم. لقد اهتمت هذه الأجيال أن تضع أبناءها على خريطة العلم. وكان الطريق الذي اختارته إلى العلم، هو التعليم، الذي كانت هي نفسها حرمت منه.

مجتمعاتنا نفسها كانت أكثر اهتماماً بالتعليم، وأكثر تقديراً للمشتغلين به. ويوم كانت مجتمعاتنا كذلك، كان فيها منسوب الوطنية أقوى من مستوى الانشغال بالسياسة. وكانت المؤسسات في دولنا، إلى جانب الانشغال بالسياسة، منشغلة بالتنمية بنسبة أكبر مما نرى هذه الأيام، وكان التعليم قاعدتها الأساسية. كانت التنمية أيامها وظيفة ومسؤولية حكومية، تعكس التزام الدولة بالمجتمع!

الملاحظة اللافتة الأخرى، أن الجيل الذي عاش في ظل اهتمام الدولة بالمجتمع، وعناية الحكومات بالتنمية، وتركز التنمية على التعليم، انعطفوا من التعليم إلى الترفيه، مع دخولهم إلى المسؤولية الحكومية، وتوسع قطاع الأعمال من إنشاء البنية التحتية إلى الاستثمار في الخدمات. وليس من المقصود صنع تعارض بين التعليم والخدمات، ولكن الإشارة إلى فارق جوهري بين جيلين عربيين، ومدى إحساسهما بالمسؤولية الاجتماعية والتزامهما بالتنمية.

بمعنى ما، نحن نتحدث عن الانعطافة الخطيرة، التي نقلتنا من عهود الاستقلال إلى مرحلة التبعية، بسلاسة مذهلة، لا تستقيم مع وعورة النتيجة، ولا خطورة مؤداها.

الملاحظة اللافتة الثالثة، أن الكثيرين الذين تلقوا التعليم في ظل أبوة الجيل الأول، ولم يجدوا مكاناً في سياق مسيرة التنمية التي تقودها الحكومات، هم من المتميزين الاستثنائيين، وأن هؤلاء قادتهم السبل إلى أوروبا والغرب، وكرسوا أسماءهم كفاءات متميزة في مجالاتهم.

هذا الكلام كله، لن يكون مثمراً إن لم يكن له مضمون يتعلق بتأكيد أولوية التنمية، التي لا معنى لها، إن لم تتركز على الإنسان، أو إن تجاهلت العلم. أو إن غفلت عن حقيقة أن التعليم هو الطريق الرئيس الذي يربط العلم بالمجتمع وحاجاته الحيوية.

ويمكن ضمن هذه المتوالية، الانتباه إلى أن المدارس الحكومية والخاصة، تلتقي حالياً في الفشل ورداءة المخرجات، وتتراجعان أمام المدارس الأهلية. والسبب بسيط، هو غياب المجتمع في الأوليين وحضوره في الثانية.

 

Email