هناك جانب من أزمة اللاجئين إلى أوروبا اليوم يعيدنا بالذاكرة، بطريقة ما، إلى نكبة فلسطين، يقال إن القارة الأوروبية تواجه حالياً أكبر حركة هجرة منذ الحرب العالمية الثانية، وهذه تحديداً الفترة التي حلت فيها مشكلة اليهود الأوروبيين على حساب شعب آخر، بإيجاد مشكلة لاجئين داخل منطقتنا، هي الأطول في العالم..

وهي مشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين بعد أن طردوا من بيوتهم وأراضيهم، وحرموا من العودة إليها، لايزال قسم كبير منهم يرزح حتى يومنا هذا تحت ظروف كئيبة في مخيمات اللجوء، ويهجر مرة تلو آخرى، دون أن يعير العالم أي انتباه لمشكلته على مدى 68 عاماً.

اليوم بعض من الساعين للجوء إلى أوروبا هم من أبناء أولئك اللاجئين، يعيشون رحلة تهجير جديدة، وقد انضم إليهم إخوتهم السوريون والعراقيون والأكراد في مخيمات مزدحمة في لبنان والأردن وتركيا لم تعد تسع أعدادهم المتزايدة، ويخوضون معاً رحلة الموت والخطر هرباً من الحرب والحصار والبؤس. فإذا لم يبتلعهم البحر ووصلوا إلى شواطئ أوروبا رفعت بوجههم الأسوار وحرموا من المساعدة التي يستحقونها قانونياً وأخلاقياً، وضربوا وأهينوا من قبل سياسيين أوروبيين بات شغلهم الشاغل إثارة مشاعر الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين.

وحياة من بقي منهم في الداخل لا تقل مرارة، في قطاع غزة المكتظ بالسكان، وخمسه تقريباً من أولئك اللاجئين، حولت إسرائيل المكان إلى أرض غير قابلة للحياة بعد أن دمر حصارها وعدوانها المتكرر كل مقومات الحياة هناك، فيما تعمل جاهدة في الضفة الغربية على جعل الحياة لا تطاق.

إن الظلم الذي لحق بالفلسطينيين لايزال يلاحقهم ليومنا هذا، بينهم من يخوض تجربته الثالثة في اللجوء، دون أن يملك حق العودة إلى أرضه، أو وطن يرعى مصالحه، كل ذلك وبعض الدول الأوروبية التي تتحمل المسؤولية المباشرة عن مأساة أولئك اللاجئين تدير ظهرها لهم، ولا تعترف بمسؤوليتها عن محنتهم، وبالكاد تساندهم في الحصول على حقوقهم التي تكفلها لهم المواثيق والأعراف الدولية في العودة إلى ديارهم، وإقامة دولتهم المستقلة. تحاول بعض الدول الأوروبية الظهور بمظهر إنساني تجاه اللاجئين أخيراً، وربما يفترض بها أولاً أن تمحو ذنوبها تجاه الذين تسببت بلجوئهم منذ حوالي 68 عاماً.