لا شك في أن الوضع في العراق وصل إلى حد بات من المستحيل الاستمرار به، بعد أن تصدعت البلاد من أعلى الهرم وصولاً إلى القاعدة، ونخر الفساد المفضوح والنهب كل مفاصل الدولة.

وتحت وطأة الحر الشديد وانقطاع التيار الكهربائي انتفضت الجماهير العراقية للتعبير عن استيائها أخيراً.

وطالب المتظاهرون بمعالجة الفساد المالي والإداري وتوفير الخدمات ومعاقبة المسؤولين عن هدر المال العام، وحمّلوا نظام المحاصصة الطائفية الذي يحكم البلاد منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع.

كانت هذه صرخة غضب ضد الطبقة السياسية، وهذه لم تكن الصرخة الأولى فقد سبقها قبل سنوات انتفاضة أخرى لكنها في المرة السابقة قوبلت بالقمع، وطالما تم استغلال الانقسامات داخل المجتمع العراقي على أسس طائفية أو قبلية أو أقاليمية لمنع أي انتفاضة عامة توحد السكان. لكن الجماهير التي رفعت العلم العراقي وحملت شعارات تدين المحاصصة الطائفية أخيراً كانت تعبر عن أن الشعب العراقي لم يعد يرضى بما يسوّق له عن انتماء افتراضي إلى جماعات تتصارع فيما بينها.

عبّر العراقيون في الشارع عما يريدون بعد أن خذلتهم صناديق الاقتراع، وبعد أن تبين لهم أن النموذج العراقي في الحكم مروع وسيئ، وأعربوا عن أملهم في أن يتوحدوا للخروج من هذا المستنقع الرهيب.

لكن أي حد ستكون الإصلاحات المطروحة جدية في إحداث تغيير في التركيبة السياسية يبقى أمراً مشكوكاً بأمره، ذلك أن تلك الإصلاحات تتحدى المصالح نفسها التي تقوم عليها السلطة في العراق. وبينما يقول جميع السياسيين إنهم يؤيدون الاصلاحات ضد الفساد، فإنهم يتخوفون من أن تطالهم المحاسبة، عدا عن كون أي إصلاحات جدية سينظر بأنها تستهدف تقليص نفوذ احد الاطراف المتنافسة.

والولايات المتحدة التي طبقت في العراق مفهوما للديمقراطية مستلهما من النموذج اللبناني الذي اثبت فشله مرارا وتكرار بحرب اهلية وازمات سياسية متتالية، كانت تضع، وعن وعي، وصفة سيئة جدا من اجل تحقيق نظام سياسي مستقر في العراق، بل أن النظام العراقي برهن على أنه أفضل وسيلة لزعزعة ليس استقرار العراق فحسب، بل مجمل الشرق الاوسط وما ورائه.