رمضان ضيف عزيز

ساعات قليلة ويحل علينا صاحب الأيادي البيضاء، الذي إذا أعطى لم ينتظر الجزاء، يغمرنا خيره طوال أيام السنة، شهر يربي الضمائر، ويهذب النفوس، وينسج بمنواله لباس الخشية فيتدرع به القلب عن مقارفة الموبقات أو مجاورة الفواحش والسيئات.

ساعات قليلة ويهلُّ علينا شهر الخير والبركة؛ شهر الصيام.. لقد كان الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم عند دخول رمضان يبشر أصحابه ويقول: أتاكم رمضان، شهرٌ مبارك، شهرٌ مبارك، شهرٌ جعل الله صيامه فريضة، وقيام ليله تطوعاً.

إننا مدعوون لحفل نستقبل فيه قلوبنا ونفوسنا الزكية التي يلفها نسيم رمضان، فيتخلل بأشعته المنسابة الرقراقة أعماق القلب فينقيه، وأغوار الروح فيعليها ويرفعها، وجذور النفس فيرويها بماء الحياة، لتنبت شجرة إيمان أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، يهل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة.

فيا لها من فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير، تفتح الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، يجزل الله فيها العطايا والمواهب، ويفتح أبواب الخير لكل راغب.

فالذين يستقبلونه على أنه شهر جوعٍ ونومٍ، وحرمانٍ نهاري، وشبع وسهر ليلي، وأعمالٍ وأقوالٍ لا تجاوز اللسان، ولا يعمر به جنان، لن يستفيدوا من معطياته، ولن ينهلوا من خيراته.

وأما الذين يستقبلونه على أنه مدرسة لتجديد الإيمان، ومحطة لتهذيب الأخلاق والسلوك، وتقوية الضمائر والأرواح، وانطلاقة جادة لحياة أفضل، ومستقبلٍ أكمل، فهؤلاء هم المستثمرون على الحقيقة.

فعلينا أن نؤدي شكر نعمة بلوغنا رمضان بأن نعبد الله على خير وأحسن ما تكون العبادة وقدر استطاعتنا، ولنشمر عن السواعد لأداء هذا الخير بالله أولاً وبالصالحين من أصدقائنا وأقربائنا ثانياً، لنعين بعضنا بعضاً ولا نستسلم لأنفسنا الخاطئة المقصرة.