بوتين والمهاتما غاندي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تلقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مقابلة تلفزيونية سؤالاً يقول: «ما هي، بحسب تجربتك العملية، أخطر مشكلة واجهتها؟»، فأجاب دون تردد مخاطباً محاوره: «أتعرفون. هي ليست مشكلة واجهتها وانتهت. إنها مشكلة مستمرة ما زلت أواجهها كل يوم. الأمر في أن المرء، منذ وفاة المهاتما غاندي، لم يعد يجد في العالم إنساناً يتحدث إليه».

ونعرف أن المهاتما غاندي، الأب الروحي للهند وحركة اللاعنف، توفي في عام 1948!

بلى، يستطيع الرئيس الروسي أن يكون ظريفاً إلى هذا الحد. ولكن إن اشتكى أحدٌ ما من جديته الصارمة، فلن يكون مخطئاً أبداً. وإن توجس أحد ما من تلميحاته حول استعدادات روسيا، عند الضرورة، الرد «فوق الحدود المتوقعة» على أي «اعتداء»، لن يكون إلا عاقلاً. ولا أقصد، هنا، أنه متهور، ولكن أعني أنه لا يمزح في الميدان، ولا يطلق الكلام جزافاً!.

لا يحتاج المرء لأن يكون معجباً به لكي تستوقفه صراحته. ولا يحتاج المرء لأن يكون كارهاً له ليعرف أنه لا يؤمن بالخوف، ولا يفهم التردد. ويكتفي بالنظر إلى المرآة في الصباح ليطمئن على هندامه، ولا يعنيه من بعد ما يقول الإعلام..

ولا كيف تظهره الشاشات؛ ويستقي معلوماته من قنواته الخاصة، لا من «سي.إن.إن»، ولا «الجزيرة»، ولا حتى من «روسيا اليوم». ويعرف أنه هو نفسه صانع أحداث، والإعلام ليس مصدراً يستقي منه الأخبار!.

انه ليس زعيماً أميركياً مشغولاً بشعبيته، الداخلية أو الخارجية، رغم أن الانتخابات الروسية في عهده أكثر وعورة من الانتخابات الأميركية. وهو ليس من ذلك النوع الذي يعتقد أنه ملهم وقادر على تحديد المسار لوحده، دون مصادر معلومات موثوقة يمكنها أن تنقل له في أي وقت أشد ما يكره، ومراكز تحليل حرة، ضمن مؤسسات صنع القرار، في حلٍ من رضاه وغضبه، قادرة على أن تحشره بين خيارين أحلاهما مرّ!.

ولكنه ينتبه لوسائل الإعلام، لأنه يعرف أن الشاشات والصحف مرآة أغلب سياسيي العالم، يهندمون أنفسهم على درجة وضوح صورها، ويقيسون نجاحاتهم وقدراتهم على حجم ما يفرد لهم الإعلام من مساحة!.

وعودة على هموم بوتين ومتاعبه؛ إنه محق بقوله ان كل الأمر «في أن المرء، منذ وفاة المهاتما غاندي، لم يعد يجد في العالم إنساناً يتحدث إليه!».

 

Email