رب ضارة نافعة، حكمة عربية تأصلت فينا تجعلنا نستخلص من الداء الدواء، ومن السم العلاج، ومن المر العسل. فلقد كشفت لنا الأحداث التي ألمت بمعظم الدول العربية خلال الأربع سنوات الماضية عن أمور لم تكن لتنكشف لولا وقوعها، فكان النفع من الضرر الذي كاد أن يعصف بالهوية العربية ويجتزها من جذورها التي لها أصل ثابت وفروع في السماء.
فلقد سقطت الأقنعة وكشفت مجموعات وجماعات وأفراد عن هويتها وانتماءاتها التي كانت تخفيها بين جنابتها لعقود من الزمان، مظهرة أن الدم الذي يجري بين شرايينها ليس دماً نقياً عربياً، بل هو دم هجين يغلب فيه الأزرق على الأحمر، وتتقلص فيه كرات الدم التي تدافع عن الجسد ضد أي عدوان خارجي، وانقلبت تلك الكيانات ذات الدم الأزرق إلى سرطان يأكل في الجسد ذاته، وتتحول تلك الكيانات إلى عدو يهاجم جسده بدلاً من صديق يدافع عنه.
هكذا ظهرت الكيانات «التي تجسدت في الإخوان أو الحوثيين أو غيرهما» التي تدعي ظلماً وبهتاناً أنها تدافع عن الإسلام وترفع رايته، والإسلام منها براء، فلقد حرص الإسلام على تعليمنا أسس حماية الدولة التي نعيش على أراضيها وننعم بخيراتها، وألزم من يحيا عليها أن ينتمي لها ويقر لها بالولاء والطاعة اللازمين لتيسير سبل الحياة ورغدها، حتى وان كانت أرضاً غير مسلمة، فلنا أن نحترم مواثيقها وتعهداتها التي ارتضينا بها.
ولنا أن نتساءل ونوجه كلامنا لهؤلاء الذين ينكرون علينا حبنا لأوطاننا وهويتنا العربية، ويتعاملون مع نظم أخرى بحجة الإسلام، ألم يرتبط النبي يوسف (عليه وعلى نبينا أفضل السلام وأتم التسليم) بموطنه وحن إلى الرجوع إليه؟!.
أليس نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم هو القائل عندما أجبر على الخروج من مكة: «والله إنك لأحب البلاد إلى قلبي، ولولا أهلك أخرجوني منك، ما خرجت» . وهو القائل عليه أفضل وأتم التسليم: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا لمكة وأشد» صحيح البخاري (ج2 ص 667).
ليس من الإسلام في شيء أن تحيا على أرض وتنعم بخيراتها وأمنها وفي قلبك ولاء وانتماء لنظام آخر، وأن يتحول هذا الولاء والانتماء إلى سلاح ضد وطنك الذي تعيش فيه، فليس هذا إلا نفاقاً مزرياً لا يليق بعربي أبي كريم، ويكفي فخراً لكل عربي أن القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين.