عصور أشد ظلمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

هجمة تزييف حضارية كبرى يتحالف فيها من ينسبون أنفسهم إلى الإسلام زوراً، ويأتون باسمه أفعالاً تشوه ولا تنزّه، مع الذين يجاهرون بعدائهم للإسلام في الوقت ذاته بهدف تكريسهم صورة للإسلام ملطخة بالدم والعنف والتطرف والجهل.

قد يستدعي واقع الطرف الأول وكذلك واقع العالم الإسلامي اليوم، حالة مقارنة مع أوروبا العصور المظلمة، ولكن الطرف الثاني يستدعي هذه المقارنة كأداة يعلق بوساطتها أسباب هذا الواقع المشوه على الدين، فمصطلح العصور المظلمة هو ما اشتهر به وصف المؤرخ الإنجليزي جيبون لـ«ألف سنة من الهمجية والدين» في أوروبا، والذي توسع به المؤرخون فيما بعد ليشمل انعدام الإنجازات الحضارية المادية والانحطاط في كل شيء.

المقارنة مجحفة ومغرضة، خصوصاً أن تلك الفترة من ظلام أوروبا كانت فترة منيرة في العالم الإسلامي الذي انتشرت فيه الإنجازات الحضارية والفتوحات العلمية بتشجيع من الدين الإسلامي على حرية العقل والتفكير، برغم بعض الاتهامات بالهرطقة والزندقة التي لا يخلو منها زمان، ولم تكن سمة سائدة في تلك العصور الإسلامية.

والإسلام الذي كان ينشر التنوير والحضارة والعلم أينما حل، علومه هي التي أخرجت أوروبا من عصورها المظلمة سواء تلك العلوم التي حملها معه في فتوحاته أو التي نقلها المستنيرون مثل توما الاكويني عن مؤلفات نوابغه، في حين لم تحمل أوروبا الاستعمارية المستنيرة سوى الخراب والدمار للدول التي دخلتها.

ربط الدين بالتراجع الحضاري لمجرد أن أوروبا انحرفت بالدين في عصورها الوسطى إلى الخرافات، ليس مقياساً لكل دين وكل حضارة وكل عصر.

والمراجعات في أٍسباب التخلف الحضاري، لا بد أن تشمل تزييفات كثيرة، ليس أولها أن العالم لا يستنير إلا عندما تنير له أوروبا، ولا يظلم إلا عندما تظلم عصور أوروبا، ولن يكون آخر هذه التزييفات في مفهوم الحضارة ذاته الذي لا يجب أن يحصر في أي حال من الأحوال بالإنجاز المادي وحده.

الأمر الذي يوهم بالتأكيد أن الغرب يعيش الآن عصوره الذهبية وسط النور، بينما قد تكشف هذه المراجعات عن أن العالم يعيش عصوراً أشد ظلمة وظلماً وسط عنصرية عرقية وغياب للعدالة وعنف ودموية منذ الحروب العالمية وإلى الآن، لم تشهدها حضارة بشرية من قبل، عدا عن غياب القيم الإنسانية حتى عن العلم الذي انحرف به رعاته اليوم عن هدفه الأول في خدمة البشرية إلى تدميرها.

Email