..ويسألونك عن الحرية؟!

ت + ت - الحجم الطبيعي

المكان باريس، والزمان يوم المسيرة المليونية التي خرجت انتصاراً لحرية التعبير، وشارك فيها زعماء ورؤساء دول من 50 دولة، وبما أننا نتحدث عن حرية التعبير، فإن مراسل الـ«بي بي سي» تيم ويلكوكس، خلال حديثة مع المشاركين في المسيرة، قادته أقداره إلى سؤال امرأة يهودية عن شعورها.

فأبدت مخاوفها على اليهود، وهنا انبرت حاسة الصحافي البريطاني الذي أمضى أكثر من 20 عاماً في مهنته، انطلاقاً من حرية التعبير التي خرجت هذه المسيرة دفاعاً عنها، ليسألها عن الضحايا الفلسطينيين الذين تقتلهم إسرائيل يومياً.

عند هذه النقطة بدأت مشكلات المذيع ويلكوكس الذي واجه عاصفة غير مسبوقة من داخل القارة التي تدعي حرية التعبير، والتي أخرجت لها مسيرة ملأت شوارع باريس دفاعاً عن هذه الحرية التي تراها مقدسة.

المذيع البريطاني، رغم تقديمه اعتذاراً رسمياً، فإن قناة الـ«بي بي سي» أكدت أنها ستحاسب المذيع الذي تجرأ وسأل عن حال الفلسطينيين الذين يواجهون يومياً آلة القتل والاحتلال، فضلاً عن سيل الهجوم عليه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، للمطالبة باستقالته.

لن نستغرب هذا التضارب الصارخ في المعايير، فحرية التعبير في أوروبا تتوقف عندما يتعلق الأمر باليهود والسؤال عنهم، بدليل تلك القوانين التي تجرم كل من يشكك في الهولوكوست في الوقت الذي تسمح فيه بالتشكيك في الأنبياء والاستهزاء بهم، وتدافع عن ذلك بحجة حرية التعبير.

الأمر لن يتوقف عند استقالة الصحافي، بل سيتعدى ذلك إلى اتهامه، وربما اتهام الـ«بي بي سي» نفسها بالأسطوانة القديمة، وهي معاداة السامية، ذلك السيف الذي يرفعه اللوبي اليهودي في كل مكان ضد كل من يقاوم أو يتحدث عن الظلم والقتل والتشريد الذي يتعرض له وتعرض له أكثر من 5 ملايين فلسطيني داخل فلسطين، وممن هجروا وطردوا قبل أكثر من 60 عاماً.

لا نستغرب هجوم وسائل التواصل الاجتماعي على تيم ويلكوكس، لكن الأكثر غرابة ذلك الهجوم عليه من زملاء المهنة ممن يؤمنون بحرية التعبير التي صدّعوا آذاننا بها، وبعضهم أشار إلى أن الاعتذار لن يكون كافياً، وربما يتم طرده قريباً إن لم يكن طُرد فعلاً.

 لن يكون مستغرباً في يوم من الأيام، وهذا قد يكون قريباً، إذا أقرت أوروبا تشريعات وقوانين تجرم من يتحدث عن ظلم وقتل إسرائيل الفلسطينيين، كما أقرت قبل ذلك تشريعات الهولوكوست.

 

Email